الجمعة، 22 نوفمبر 2013

إنه من محمد فاروق لمحجوب حسن حماد

صديقي محجوب حسن حماد، 

لم تعد نحيلا كتلك الايام، وانا ايضاً وقد صار عندي رغد وفاروق، توفي ابي في 30 يونيو 2003 هذا التاريخ يصر ان يرتبط حتي باحزاننا الشخصية، واظنه مازال يشتهي بعض الحديث الذي لن يكتمل مع نصر الدين الرشيد وبكري الجاك.......
وانا اقرأ الاشياء التي مازالت طازجة في ذاكرتك............ انتابتني قشعريرة، يالمخك يا محجوب:كنا بيننا نتندر في مؤتمر الطلاب المستقلين عن ذكاء الذين يعتقلون من كوادر تلك الفترة لمقولة ان الذي يتم اعتقاله كادر غبي ولا يكمل مهمة ان يناضل ولايمكن العدو منه.. كنت انت من الاذكياء في الجبهة الديمقراطية وانا حتى 93 في مؤتمر الطلاب المستقلين اذ بدأ مسلسل غبائي وتكرر اعتقالاتي حتى من البيت.. وصراخ منى اختي والست الناظرة امي آخر ما اسمعه من عالم الضوء ووقوف جاراتنا رغم تقدم الليل امام ابواب البيوت والدعاء على كلاب الامن: الله ينتقم منكم بركت قبايل العيد تعيدو انتو في كوبر، محمد مالو حرامي والله يسوي ليكم والله و و........ ورغم خوفي كنت اود ان اضحك : يا حاجات ديل ما ناس الله ذاتهم وتبدو لي الخاطرة فيها من الضلال ما يضحك اكثر فاضحك..يازول بتضحك مالك؟ ابدا بس عشان الحاجة دي ما تقلق وتفتكر انتو كلاب بالجد، يستريح للفكرة..ويستعد لحفلة عمارة بحري بضمير مرتاح اكثر، يا لغباء المناضلين الذين يعتقلون... كان من اكثر الناس قلة حظ من الذكاء بحكم الاعتقال في المستقلين حمزة فاروق يليه نصر الدين الرشيد..يا لحاجة امينة لها الصبر، في الجبهة الديمقراطية مصطفي سري وشاب تعرفت اليه مؤخرا اسمه عاصم نقد، المحايدين اسماعيل وادي واسامة محمد ادريس... وكنت انت من الاذكياء دائماً وفايز الشيخ ايضا شاركك اللقب، اتذكر في اسكول يوم تمت محاولة لاختطافك من داخل الكافتريا تحولت فورا لمخاطبة هادرة في شارع الجامعة... كم كان لجراتك شان في خلق الاحداث.. اعتزر عني للناس في هذا الفضاء الاسفيري (هكذا يسمونه؟؟) ما بننا تداعي فيه الاشياء الشخصية بصورة اكثر الحاحاً من العام وعزرا ايضاً فحتى العام لن يكون ردي هنا كاملاً فانا جزء من الاحداث وآخرون ايضاً قد لا يرضيهم ان يعرف الجميع كيف هي الامور من الداخل ومن وجهة نظري للاحداث ولمواقفهم وساترك لك بدرجة التصرف في ما ساكتبه لك بعد هذ الفصل من الصراع بشكل شخصي....
كم من الكوادر التي قادت نضال التسعينات ايام قمة المشروع الحضاري في السودان الآن؟ الكثيرين لم يعودوا فاعلين في الشارع قذفت بهم مواقفهم الى الغربة والجامعات بعد سياسة التجهيل العالي اقل قدرة على ملأ حاجتنا من المهنيين ناهيك عن قيادات وان كان نصيبها من انتاج كوادر وطنية وقيادات افضل من شانها في مسألة التاهيل العلمي... من المفيد ان اخاطبك وكثيرون هنا بان تعودو آن الاوان لجيل مختلف ان بقود نضالات شعبنا برؤى جديدة ومواقف جديدة اكثر قدرة على التغيير.
ذكرت ناجي عبدالله كان معي في الحبس في اعتقال يوم الاثنين الثاني، نفس الرجل اكثر اندفاعاً وصدقاً وانفعالاً بما يؤمن، هو وعلي عبد الفتاح من دفعتي...واظن الاخير كان ليقف موقفه الآن، قال لي ناجي بمنتهى الصدق كنا نؤمن بان الجبهة وحدها قلبها على البلد وانها مجموعة من الانقياء والطاهرين، وان الجميع يتربص بهذا الوطن وقبل انقلاب يونيو كنا نرى ان قرنق هو الشيطان وانه آتي لا محالة انقلابنا كان استباقاً لانقلاب حسب معلومتنا يعد له شيوعيون وآخر بعثيون واخرون ايضاً يرتبون لشيء في الخرطوم بما في ذلك قرنق.. لم نكن ان نتخيل ان هنالك من هم قلبهم على البلد غيرنا كنا على خطأ كبير والانقلاب جعلنا ننظر للاشياء بعين اخرى وعرفنا ان الجبهة ليست مجموعة اتقياء فقط ومتدينين بينها حرامية وكذابين وبتاعين بنات... كنا مخطئين والانقلاب كان خطأ، استاذي محمد جلال كان معنا وكذلك عبد الله دينق، محمد جلال قال ان الانقلاب كان مهم للحركة الاسلامية اذ ان من الممكن ان يحدث احتككاهم بالسلطة enlighten ويخرجو من تخندقهم الذهني في مثاليات مجتمعهم، الالتصاق بالواقع اكثر قدرة على تحريك الاشياء والسلطة حالة مواجهة مبااشرة مع الواقع محمد جلال ما ذال مثابرا وبقاءه في السودان يجعله اكثر تاثيراً...اسامة بن لادن طرده من السودان الاسلاميون واشاعات كانت تقول انهم كانو يحيكون صفقة لتسليمه، ما زلت تلميذا معجبا بالرجل.
موقف التحالف هو موقف اغلب القوى الوطنية التي آمنت ودعت للتغيير عبر صناديق الاقتراع، وكنا اصحاب رؤية متكاملة في هذا وساطلب من زهرة ان ترسل لك مساهمة نشرتها في الاخبار عن قوس قزح. الفرق بيننا ان الاغلبية كان تقييمها ان اقصى ما يمكن تحقيقه من الانتخابات قد تم تحقيقه، وان الفصول الباقية ستخسر فيها القوى الوطنية يكفي الترشيح والكامبين والحراك الجماهيري الذي صاحبهم...وما ينقص ان الباقي نحن غير مستعدين له وستتم ملطشتنا (وهذا قاله قيادي من حزب آخر لابو خالد: انحنا احزاب كبار وما مستعدين الجماعة ديل ادونا في راسنا والذي كان رده انخنا حزب صغير وفي سبيل احداث التغيير خلوهم ادونا انحنا في راسنا حقنا وحقكم).. سيخافون يا محجوب على الدوام من المعارك الكاملة اذا لم يتقدم احد.. والحقيقي في اننا سنخسر في باقي الفصول لان في الاقتراع سيبدا مسلسل ان نأخذ من بعض لان في هذا يستوي منافس المؤتمر الوطني ومرشح اي حزب آخر : الآخر الذي يتم الفوز بهزيمته!!، في كينيا لم يتم الاتفاق على كيباكي في الدورة الاولى وبقي دانيال اروب موي اربعة اعوام في الحكم وعندما اتت الدورة الثانية تم الاتعاظ من خطأ التجربة وكان قوس قزح اتفاق كامل حول مرشح واحد انا لا اود التمثل بالتجربة الكينية لكن من المهم الاقتباس منها ومن التجربة الانسانية عموما. والفصول الاهم في العملية الانتخابية هي الفصول القادمة: قدرة الجماهير على الحراك: الاقتراع، حراسة الصناديق وخلافه موقفنا انبنى على ان الحيثيات ليست فيها جديد وان اي تاجيل لاكمال المواجهة فيه تجميد للازمة وتمديد لها، وانه حتى لو تم التاجيل سيكون تاجيل للتزوير وبالتالي استعداد ايضا له اكثر من الطرفين وانشقاقات اكثر بيننا وربما سودانين، عرمان قال مرة ان الثمن الذي سيتخيلون انهم سيدفعونه اذا زوروا هو الحماية الجيدة لصناديق الاقتراع.
في التسعينات دكان" فلان" في الحلة في الحلفايا عندما ياتي البكس اياه ويسال عن بيت محمد فاروق يقول لا يسكن احد بهذا الاسم في الحلة وياتي ابنه الصغير لبيتنا ويقول لي الحاجة ابوي قال ليك خلي محمد ما يبيت في البيت، الآن نفسه "فلان يعلق " الشجرة وصورة للبشير!!! والنساء اللائي قمنا الثانية صباحا يدعون على كلاب الامن مع امي الآن يدعون على أوكامبو!!!! وامي التي ذاقت الامرين لم تبتلع تصاعد الاحداث: اوكامبو مالو علينا ما يحاكمو السودانيين،، الموقف الذي يجعل ساسة كبار يتلجلجون في القول في الشارع له اصداء اخرى، "قلت للحاجة والله اوكامبو ارحم ليه من سجون العالم الثالث،، غايتو الله يسوي الفيه الخير هم كمان سقونا الحنظل"... عربات كثيرة مظللة بي صور البشير "وما تقول لي دايرين يبرمجو" لانو ديل الرصيد الفعلي للانقاذ!! الركشات الحافلات، والصراع في القرى في الانتخابات ليست بين الاحزاب يا محجوب بل بين المناصب في داخل المؤتمر الوطني الان يا محجوب الوضع غير: قوى سياسية حراكها الجماهيري ضعيف في سبتمبر 95 كان اول المظاهرة في ام درمان وآخرها مازال في ابو جنزير لم يكن بننا نقد او الصادق او ابو خالد او باقان كل منهم في معركته! تعال يا محجوب للسودان ولن نضطر للسهر حتى الثانية صباحا ايام تحالفات الجامعة سنتفق وكثيرا ما اتفقنا...مياه كثيرة جرت تحت الجسر: السودان اصبح اكثر جهوية وعنصرية والانفصال مجرد اعلان واقع.. ارجوك اطلق نداء عودة لكل الذين قادوا نضالات شعبنا في مايو وايام الانقاذ ونداء لعودة القاص الجميل بشرى الفاضل ليعود للاشياء طعمها ليعبأ الشارع بها ويتغازل الناس في الشوارع، انظر لسودانيز اون لاين: ليست كثير الاطلاع بها ومعرفتي بها محدودة ولا اعرف اذا كان من اللياقة شكرك على اتاحة هذه الفرصة او التقدم بتحية الناس لاعلينا اعتزر عني اذا هناك شيء اغفلته المهم منبركم الآن فيه ناس صور بروفايلهم فيه الشجرة!! زمان الناس كان بتخجل على ما اظن في هذا المنبر اعلان انتمائهم للكيزان ولقلة معرفة الناس ببعضها قرات مرة بوست عنوانه على شاكلة: فتحي البحيري ضابط في الامن ومن يومها لم اعبأ كثيراً بما يدور هنا..الآن الناس يدافعون عن البشير في هذا المنبر قلو او كثروا وهناك نداءات بان بتم سحبهم من المنبر "شمولية اخرى" وانا كنت اظن اذا اتت انتخابات ان الانتماء للمؤتمر الوطني لن يعلن عنه وسيخوضو الانتخابات مثل البعثيين في العراق اذا خاضوها قعلا.. ولكن بدون حياء من كان مسؤولا عن اغتيال علي فضل وامين بدوي يخوض انتخابات فيها شيوعيون وحركة شعبية وامة بدون ادني رغبة في الاعتذار وسلوك سياسي لرئيس سابق لجهاز امن سيء السيرة عندما نزل مرشحاً: سيهزمهم بالضربة القاضية.
كثيرون يتحدثون عن الشرعية، ولا يوجد في الحراك السياسي الديمقراطي مكان لهذا المصطلح الجامد: هي شيء من ايام الملوك والتوريث الشرعي والآن هي مصطلح شمولي اشبه باطلاق مصطلح متمرد على من ينازع الشموليات شرعيتها، ولا يوجد في هذا الصراع ما يكمن ان نسميه معركة حاسمة او فاصلة وعلى راي مهيد صديق كل معركة تولد معركة اخرى في هذا الصراع وعندما ما بدأ ابو خالد حملته يستخدم مقولة ان الناس جربتنا في الشدة قلت له ان الوضع الآن اصعب يجب ان لا نسهل لهم المرحلة القادمة وان بريطانيا بعد الحرب اسقطت تشرشل.. قال لي ولكنهم اعادوه وبعد نقاش قال مافعل بالبلاد في العشرون عام اعماره اصعب من المعارك التي خضناها للتغيير فمعركة التغيير نفسها طويلة ومستمرة...صدقني يا محجوب لا يوجد من يبحث عن مجد او من يتوهم ضربة حظ في هذه الانتخابات نعرف قدرنا واكثر ما يمكن ان نفعله هو تعبيد هذا الطريق.. اهدافنا من الخوض الآن اصبحت ادني من تحقيق التغيير كاملاً عبر صناديق الاقتراع ولسنا من يسال عن تدني هذا الهدف... عنما بدات حملة الامل والتغيير لياسر عرمان بدأ مجرد زج امكانيات الحركة في الصراع نافذة للمواطن السوداني تساعده على تخيل اشياء جديدة وجيدة ومع تنامي فرصه هو تحديداً بدأ المؤتمر الوطني اكثر هلعاً وعندما بدأوا باشاعة الانقلاب في حال فوزه كان مرشحنا يتوجه لرفاق السلاح بخطاب يعرف كيف يتم تحييدهم به مثل دوره في انتفاضة ابريل "وان كنت اظن كان من الممكن ان بقوم بدور اكبر عنما انظر لدرجة انحطاط سوار الدهب"... بعد انسحاب ياسر عرمان مزقو صورة وجهه في شارع عبيد ختم في دعايات مدفوعة ومازال ينطر مبتسما مع شعار الامل والتغيير في اكثر من مكان..لا اعرف لماذا انسحب لم يقل لنا ولم اسمع منه ما يجعلني مقتنعاً بان هنالك شيء جديد بين لقاء مجهر سونا والذي كان فيه رئيساً والليلة التي تليه. المفوضية هي نفسها يومها وللامانة عندما بدا الارتياب فيها سالنا عضو المجلس في كتلة التجمع عن التحالف ابو غسان وقدم نقد ذاتي في ان التعامل مع الاسماء اجيز في المجلس وبالاجماع دون تمحص كافي قرار مسؤول هو عنه ومسؤول ياسر وفاروق ابو عيسى انا لا ادعو لقبول الامور على علاتها لكن كان ممكن ان لا نحس عدم حيدة المفوضية اذا قاطعنا الانتخابات!!..لو لم تكن هنالك فرصة حقيقية لهزيمتهم لما اضطر المؤتمر الوطني للمضي في خطوات عارية ومكشوفة للتزوير...لماذا لم يدفع به الى نهاية الطريق في هذه المرحلة؟؟ ورغم انسحاب ياسر مازال يهزمهم وجوده في الشوارع مبتسماً ويقول الامل والتغيير وعلى فكرة شعار حملتنا ايضاً بهذا المعني..لم نكن قادرين على انجاز تحالفات جيدة بتهيبنا تحقيق نتائج جيدة لم يفهم احد التزامات الحركة: واصبحت القضية كلها الحركة باعتنا والحركة صاحبتنا: لم ارى تنظيم جاد ومنظم قدر الحركة لخوض الانتخابات على كافة مستوياتها وحتى المؤتمر الوطني تنظيمه كان فضح لفساده. دفعها في اتجاه المقاطعة خطأ حسب ظني واظن بعض التناقضات في تصريحات قادتها مرده صعوبة تبرير صرفها وتهيئة قواعدها في اول معركة سياسية سلمية لها!! نجحت القوى القديمة في تقديم الحركة بشكل مهزوز واحسست ككثيرين بحجم خسارتنا مجدداً بعد وفاة قرنق...
في التسعينات وعندما تمت مصادرة النشاط الطلابي وتحويله الى دار الاتحاد قاطعنا في مؤتمر الطلاب المستقلين هذا القرار وكانت معارك كسر القرار باقامة اركان في الجامعة بكوادر من خارج الجامعة للتحايل على قرار الفصل من جانبنا مواجهة قوية ولكن الاكثر فاعلية يا صديقي كانت الاركان التي تقيمها الجبهة الديمقراطية حسب قرار الجامعة والتي كنت تتحدث انت فيها في دار اتحاد الطلاب مساءاً في شارع النيل والتي انتهت يجمهور اكثر من جمهور المشاهدين في سينما النيل الازرق والذين كان كثيرين منهم ينضمون لاركانك والتي كانت تستمر حتى بعد عودة الطالبات بعد الليت قبل الساعة 11 واظن ان الانزعاج من هذه الاركان كان سبباً قويا لعودة النشاط للجامعة وكان ايضا سببا قويا لتكوين تنظيم قوي وفاعل للجبهة الديمقراطية رغم حدة الخطاب الديني وقتها................كلها رؤى للعمل لا نستطيع ان نحكم باطلاق صوابها او خطلها لكن من اسباب التفكير السليم والعلمي ان تخضع للتجربة ، دون تقليل الفرص باستخدام لغة عاطفية كالتاريخ لن يرحم والخيانة والوفاء لدم الشهداء..... التنظيم الجديد الذي انتمي اليه قدم اربعمائة شهيد ومع ذلك هو تنظيم صغير! لم اسال الشعب السودان ان يكون وفيا لهم وينضم لنا بحكم هذا التضحيات ولم التفت حتي لعدم تقديرهم والاحياء من مقاتلي ثورة الحرية والتجديد في مزايدات كانت تضيف لرصيد المؤتمر الوطني في تناول سيرة الكفاح المسلح بصورة شائهة وغير مبدأية وغير امينة.

صديقي محجوب خاطبتني في هدا المنبر وجرجرتني اليه وانا ليست عضو فيه ولا ارغب ان اكون عضواً فيه مع احترامي للجميع هنا فارجو ان ترد عني اذا كان ردي هذا فاتحة لاي حوارات وانا افوضك انت ولا افوض اي من اعضاء حزبي لان مابيننا وما قلته هنا هو تجربة ما تشاركناه فيها اكثر مما كان هم جزءا منه ورغما عن ان الصراع في فصوله متاشبه الا انني اريد ان ارد عليك جرجرتي الى هنا بمثلها: اطلق نداء لعودة الجميع الى السودان والا لن تعرفوا اين تعودوا في هذا المنير عشرين او متين الف يتلاقون. في السودان اكثر من ثلاثين مليون يفرض عليه لقاء لوجه واحد.. المؤتمر الوطني فطر يظن انه شجرة سيقتله التعرض للضوء وحتي عندما فتحت نافذة كانت اغلب شموس هذا الوطن في المهاجر وان كنت لا احب هذه اللغة كما اسلفت ولكن: call for Sudanese back home, now or never مودتي واشتياقي لك وللشباب من كل القوى السياسية في المنافي هناك لا اود ان اذكر اسماء فذاكرتي ليست بمثل ذاكرتك.... وموقفنا لم يتغير في حزبنا من كون الانتخابات مواصلة للمقاومة ولم نصدق يوما ان المؤتمر الوطني سيقوم او حتي مطالب في هذ المرحلة بتوفير شروط نحن اولى بالنضال لتحقيقها... ونحترم خيارات غيرنا من القوى الديمقراطية وان كنا نعتقد بخطأها، ومن حق غيرنا ان يعتقدوا بخطل خياراتنا مع حقنا في احترامها عشرون عاما من الشمولية خلقت نفس يضيق بالآخر..في الفقه الاسلامي اشياء جميلة: مثل اختلاف علماء امتي رحمة.. وهناك قول مأثور اعجبني دائما: رينا صواب يحتمل الخطأ وراي غيرنا خطأ يحتمل الصواب. "اظنه للشافعي اذا لم تخني الذاكرة................لا عتاب

الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الحكومة السودانية تواصل حربها ضد النساء


أعناب عبدالرحيم 

تمت صياغة القانون، بحيث ينتصر الطاغية و يتم تجريم الضحايا، لقد تم تحديد مواعيد المحاكمة و النطق بالحكم: الأول من سبتمبر 2013م و التي غيرت لاحقاً إلى التاسع عشر من سبتمبر، إنها إدانة أخرى جائرة تتم بموجب "المادة القمعية و سيئة الصيت" المادة (152) من القانون الجنائي، و التي تتم عملية تطبيقها و القيام بها بواسطة شرطة النظام العام. ضمن آلاف النساء اللواتي يسقطن ضحايا لهذا القانون كل عام، سوف تواجه المهندسة و الناشطة السياسية و الإجتماعية (أميرة عثمان) المحاكمة بتهمة إرتداء "الزي الفاضح" و ذلك بموجب النص الفضاض للمادة (152) من القانون الجنائي لأنها لم تكن تضع الطرحة على رأسها. سوف تشهد النساء السودانيات و المجتمعات العالمية الناشطة في هذه الحادثة المألوفة بشكل مقلق إعتداءاً فظيعاً آخراً على حريات و حقوق النساء في السودان. إنها مثال آخر على فظاعة القانون الذي تسقط تحت سياطه آلاف النساء في السودان – حيث تم إستغلاله لتجريم الضحايا و تمجيد المجرمين.
و بحسب التقرير المنشور في صحيفة الميدان، و هي جريدة سودانية فإنه تم القبض على أميرة عثمان بواسطة أحد رجال الشرطة عندما كانت تقوم بعملية إجراءات تسجيل قطعة أرض في محكمة جبل أولياء، قام رجل الشرطة بسؤالها: لماذا لا تقوم بتغطية رأسها؟ فأجابته أميرة: بأنها لا ترتدي الحجاب، بعد ذلك تم تحويلها إلى قسم الشرطة، حيث واجهت أشكالاً مختلفة من الإساءات اللفظية ، كما أنها رفضت الإجابة عندما تم سؤالها أسئلة شخصية و غير لائقة. و في ظل المعاناة من ظروف الإحتجاز المهينة و الإساءات اللفظية، دخلت أميرة في حرب كلامية و مشادة مع رجال الشرطة الذين أصروا على سؤالها عن قبيلتها، هذا السؤال لا يعكس فقط العقلية العنصرية المتجذرة في مؤسسات الدولة، بل أيضاً المعاملة غير الإنسانية التي تعاني منها النساء في السودان، حيث تشمل العقوبات التي ينص عليها القانون الجلد و الغرامة بل و يتعداها إلى السجن في بعض الحالات.
بحسب ورقة بحثية منشورة بواسطة "مشروع إصلاح القانون الجنائي السوداني" الذي تموله (منظمة ريدريس لحقوق الإنسان) تنص المادة (152) من القانون الجنائي على التالي: 1. من يأتي فى مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيّا بزيّ فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. 2. يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان ذلك فى معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل. تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان قضية (لبنى أحمد حسين) الشهيرة، و هي صحفية سودانية ذائعة الصيت حوكمت بتهمة إرتداء الزي الفاضح لأنها كانت ترتدي بنطالاً.
توضح قضية لبنى سابقاً و الآن قضية أميرة أن هذا القانون يمثل إشكالية مستعصية و على وجه التحديد لسبب خطير: أنه يعطي الذين يقومون بواجب تطبيقه سلطة مطلقة و غير قابلة للمحاسبة من أجل الحد من و قمع حرية النساء لأسباب و ذرائع واهية. ففي حالة لبنى على سبيل المثال، تم إستخدام القانون من أجل كبح جماح نشاطها الصحفي، حيث كانت لبنى تنتقد الحكومة بشكل واضح من خلال مقالاتها المنشورة، كما أن هنالك سبب خطير آخر و هو أن هذا القانون لا يوضح بشكل قاطع كيف يبدو شكل "الزي الفاضح" أو ماهو "الذي يخل بالآداب العامة"، عليه فهو يخضع هذا التعريف لمزاجات و رغبات و الأحكام القيمية الشخصية للمعتدين. و بالتالي فإن الصياغة الفضفاضة للمادة (152) من القانون الجنائي يمكن أن تستخدم وفقاً لتقديرات المعتدين: فهي تستخدم كوسيلة للعقاب و التلاعب و القمع، كما أنه يمكن أن يتم إستخدام هذا القانون لدوافع سياسية، و ذلك بناءاً على الحقيقة القائلة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إتهام أميرة تحت المادة (152).
لقد قامت حملات تضامن واسعة نظمتها منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الناشطين داخل و خارج السودان، فقد كتبت الصحافية و الناشطة الإجتماعية (أمل هباني) على صفحتها في الفيسبوك معبرة عن التضامن مع (أميرة) و الوقوف بجانب نساء السودان الأخريات ضد هذه القوانين المشينة و المهينة التي تسعى إلى جر النساء إلى العصور المظلمة، تقول (أمل): " أميرة عثمان لمن لا يعرفها ليست المرأة التي تقهر بقانون النظام العام مرة أخرى، فقد حدث وأن كانت ضحية لهذا القانون وهذه الشرطة أيام دراستها الجامعية، وقد أورثتها هذه التجربة على الرغم من إيلامها النفسي صلابة وشجاعة جعلها تتصالح مع جسدها ومع كل ما ترتديه باعتبارها دائرة خصوصيتها التي لا يحق لأحد تعديها. وهي بذلك تجاوزت قهر القانون حكومته ومنظومته الشرطية الفاسدة، بل وتجاوزت كل هذا المجتمع الذي سقط في براثن الجهل والتخلف والنظرة المنحطة للنساء التي أحكم هذا النظام تفريخها وتلقينها للمجتمع بكافة السبل".
و في ظل الفساد الذي ينخر في جسد الأمة، فإن أي إنسان يتمتع بوجدان سليم ينزعج من أن الرأس الذي لا تتم تغطيته يزعج أنظار الحكومة أكثر من الإبادة الجماعية المتواصلة و تدهور الصحة و التعليم و إنهيار البنية التحتية و إنتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة. إنهم يغضون الطرف عن كل أشكال الظلم التي تحدث في السودان، و يركزون فقط على شعر أميرة و أجساد النساء، مما يوضح بجلاء العقلية المهووسة بالجنس للنظام الحاكم، حيث أن ما يجمع مؤسساته هو فرض سلطتها عبر إذلال و قهر النساء. لقد أصبح من الواضح أن المادة (152) ليست مادة قانونية، لأنه عندما يفكر شخص ما في مفهوم القانون فإن أول ما يتبادر لذهنه هو قيمتي العدل و المساواة و هما غير متوفرتين فيها.
إن المادة (152) من القانوني الجنائي هي مجرد ذريعة يستخدمها ضعاف النفوس من أجل تغطية عجزهم عن قبول النساء ككائنات إنسانية. إنهم يستخدمون هذا القانون كشماعة يعلقون عليها أخطائهم السياسية بقهر النساء، إنهم يعززون سلطتهم و يثبتون عقدة نقصهم برجولتهم، عبر فرض الأنماط السلبية للنظام الأبوي. إنه ليس من العدالة القول بأن رفض هذا القانون هو رفض "القوانين الملزمة بالحشمة" كما يدّعي الكثيرون أو يعتقدون في ذلك، وذلك لسبب بسيط و هو أن هذه القوانين مكتوبة بشكل غير لائق و تطبق كذلك بصورة غير محترمة، فعلى سبيل المثال فإن هنالك العديد من النساء اللائي واجهن تعسف هذا القانون لأنهن رفضن عروضاً غير لائقة تم تقديمها لهن. و يكشف هذا عن أن هذه القوانين التي تستخدم كأدوات قمع و بطريقة تعسفية ضد النساء تتطلب تغييراً كبيراً في المشهدين السياسي و الإجتماعي، إن التغيير سوف يأتي عندما ندرك الترابط الكبير بين المعايير الثقافية و الطرق التي يمكن بها قهر الشعب، و على وجه الخصوص النساء. إنه لمن المهم أن التعرف على كيف أن المعايير الثقافية تشتغل كميكانيزمات لقهر النساء، عبر تعطيل التغييرات الإيجابية التي يلغيها هذا القانون ليحل في محلها.
يعكس فشل الحكومة السودانية في تعديل مثل هذا النوع من القوانين وصولها إلى أسوا درجات الإنحطاط و التحلل السياسي، و الذي يتجلى بوضوح في الإنهيار الأخلاقي للمؤسسات و الهيئات الحكومية، و تعتبر مثل هذه القوانين معاناة مستمرة للنساء السودانيات، لأنها تستمد قوتها من المفاهيم و الموروثات المؤسسة على إعتبار أن المرأة كائن من الدرجة الثانية و تعتبرها رمزاً للعيب و الفسوق. يسمح هذا بإستغلال النساء و توظيفهن لخدمة مجتمع أبوي في الأساس الأول. لقد عكست أميرة عبر رسالتها المصورة بالفيديو بسالةً لا يمكن قهرها و رغبة في تحدي هذا القانون القمعي، فقد قامت بدعوة الناس من أجل حضور جلسات محاكمتها من أجل محاكمة القانون نفسه، لقد عبرت عن أصوات آلاف النساء السودانيات اللائي كن ضحية لهذا القانون. صحيح أن القانون مكتوب، و لكنه ليس جامداً مثل الصخور، و قريباً سوف تنتفض نساء السودان و سوف يقمن بمسحه و إزالته من الوجود. و سوف تأخذ التدابير الأخرى التي تعزز و تحافظ على كرامة و حرية النساء السودانيات مكانها الصحيح في القانون و في تاريخ السودان.

ترجمة: سامي صلاح
رابط المقال الأصلي: Sudanese Government Continues Its War on Women


الاثنين، 2 سبتمبر 2013

مبحث في حالات الشوق


في البدء كانت حبيبتي و لم يكن معها شيئ، كانت عينيها الآسرتين و كانت ضحكتها الخلابة و وجهها المشرق، كان المكان يضيئ لمجرد ذكر إسمها، ثم قالت حبيبتي ليكن الشوق!! فكان الشوق يفعل فعله و يسطو سطوته على وجودي، ثم كان ارتباكي حاضراً من جهتي كدفاعات ضد حضورها الطاغي رغم قارتين و محيط يفصل بيننا، فعجزت عن تبين هذه المحايثة اللطيفة رغم فوارق المكان.

و كان الشوق أول ما بدأ عصفوراً مخلوقاً من طينة الحنين، و يقال أنه صنف من الحمام الزاجل كان يتراسل به عاشقان يتحايلان على أهل البلدة التي حرمتهما الوصال، و كان ذلك العصفور في مشواره الليلي يشدو و يترنم فيحرم أهل البلدة النوم، ثم لعنته الآلهة فصار شوكةً تطعن خاصرة الكائن العاشق، فلما توارث العشاق ذلك و لم يردعهم ذلك جعلته الآلهة غصة في حلوقهم ثم شهقة و جعلته نفساً حاراً يتنفسه الكائن العاشق ثم يسقط مغشياً عليه، فلما لم يمتنعوا من توارث الشوق المصاحب للعشق جعلته خليطاً من ذلك كله، فما من كائن عاشق على وجه الأرض إلا و ذاق من ويلات الشوق نيراناً حامية لا تبرد إلا بلقاء المعشوق، و ذهب المتطرفون منهم مذهباً صعباً لا يرتقى فقال قائلهم: (كل شوق يسكن بملاقاة المعشوق لا يعول عليه)، كان الشوق مخلوقاً من طينة الحنين فتمثلت فيه بعضاً من غربتها و نبلها و حميمتها الملتصقة بجدار القلب.

و تنتاقلت سيرة هذا العصفور مع طائرة خاطفة تسمى "الفضيحة" فما تنقل الشوق في فضاء إلا و تمشت معه الفضيحة رفيقة تلحقه حيثما حلّ، و مع أن أن أهل بعض البلدان المتعجرفة التي تحرم العشق سموا الشوق بالسترة فقالوا أن : "الفضيحة و السترة متباريات" إلا أن ذلك الإسم الغريب لم يطغى على الشوق، فظل مفضوحاً رغم محاولات السترة الخجولة لتغطيه، ثم لمّا تحول الشوق من كونه عصفوراً إلى تلك الحالة الغريبة من المشاعر تحولت الفضيحة معه إلى حالة معنوية! فكان الشوق حالة من حالات العري المعنوي التي تفضح الكائن العاشق، و تنتهك خصوصيته فيصير حكاية تتناولها الشفاه المتهتكة و العقول الصغيرة التي لا تدرك جسامة الأمر و جلالته، ذلك أن للحب لغة لا تدركها الكائنات المتلفتة من فضاءه و التي أبتليت بغباء التعقل البشري و المصنوعة من طينة النفاق الإجتماعي، فترى في الشوق مجافاة للذوق الإجتماعي و تمرداً على سور القيم المتسلطة، و لأن تلك القلوب المحرومة من الشوق مغلوب عليها بالتسلط و القهر، تتداول الأمر الفضائحي بشيئ من التلذذ و المازوشية. فكان التحجر و القسوة ملازمتين لكل كائن غير عاشق.


ثم حنّت حبيبتي بشيئ من الرحمة في قلبها، فمن خصائص الكائن المعشوق أن يكون رحيماً بمن يعشقه، فكانت إبتسامتها تطفئ لهيب الشوق و لوعته، ثم ما لبثت أن أخفت إبتسامتها تلك فعاد النيران أشدّ ضراوةً، فعلمت أنه من عادات الكائن المعشوق التجبر و الكبرياء و الفتك بالكائن العاشق، و لا يجري ذلك الأمر كنوع من السادية كما تصوره أشعار الأولين، بل هي عادة جرت عليها القلوب العاشقة في تبجيل شأن المحبوب و عدم القدرة على الحرمان و الفراق، فذهبت تتحايل الأمر بهكذا تصاوير تلقي اللوم على المعشوق و تتصنع اللوعة في قسوته و جفائه، و مما قيل في ذلك ما ورد في الأثر: "محمد معانا ما تغشانا" يقول القائلون و المفسرون أنها قيلت لعصفور الشوق، الذي كان يحلق فوق رؤوس العاشقين تطرد سلطته و سلطانه غير مدركة أنها كلما هشّته بعيداً كلما إزداد إنقضاضه و قوته.

الأحد، 2 يونيو 2013

المسرح التفاعلي... الواقع و المستقبل

نشأت فكرة المسرح التفاعلي كتطور طبيعي لمراحل المسرح الحديث
و كانت بداياته في البرازيل تحت مسمى مسرح المقهورين
انتشرت هذه الفكرة حول دول العالم و قام المخرج الروسي شامير بتعميم هذه الفكرة على 64 دولة حول العالم
و احتل السودان المرتبة الخامسة و الستين
و حسب رأيه بأن التجربة التي صنعها السودان تعتبر من أميز التجارب حول العالم


الاثنين، 27 مايو 2013

الحـــــــــوت..أسطـــــــــورة تمشــــــــــي بين الناس

عبدالرحيم حسن حمدالنيل

"حوذينا الجميل..
إرفق بنا وصدقنا .
يا حوذينا الأرعن الجميل،
ليس ثمة سفيرة في انتظار خيولك
غير هذه القلوب المرتعشة .
يا حوذينا ذو الاسم الباهر
إرخ لخيولك قليلا
و اصغ لزفيرنا المكتوم
واغفر لنا كل ذلك الحب".
قاسم حداد
*هبط محمود عبدالعزيز على كوكب الغناء السوداني طليقاً برياً ضارياً وعاصفاً بصوته النادر القوي المتفرد، وحنجرته التي يسكنها شعب من الفتنة والسحر والجنوح، وهو يؤالف بين أجيال وطيور ومسادير وقلوب وفلوات وأشجار في هذه البقعة من الكون الصغير المعدة لاختبارات الحياة والعدم.
*غناء الحوت هو غناء الحياة بتيهها وسحرها وجاذبيتها؛ هو غناء للحياة بشجنها القارس، وقسوتها الماجنة، ونذالتها المروّضة بالتكرار والعادة، وهو غناء العذابات التي لاتخطئ الدرب والمسالك للدم ، والهزائم التي تشبه الانسان ، والمنازل القمرية في حدوس اللحظات حال كونها هاذية في غيبوبة الجنس البشري.
*تجربة محمود تجربة كبيرة جديرة بالحياة؛ وجديرة بالاحتفاء لأنها أخذت من الحياة السودانية شجنها الأسطوري والغريب ولأنها سدت منافذ كثيرة كان سيعبر من خلالها الغث المطفف باللا أصالة واللا روح والابتذال.
* الحوت شهقة هذه البلاد الكبيرة الحزينة ضد القبح والتكرار والملل.
* صوت محمود عبدالعزيز هو الصوت المأهول بالجِدة والجبال والوحشية وقوة العناصرواللوعة الساحقة.
* سيرتكب هذا الفتى النحيل حماقات متعددة وماحقة ستزيّن مسيرة تجربته الخلاقة وسيعثر في الاثناء على نفسه البهية التي حملتها أنفس كثيرة عاشقة ومعجبة، ولن يجد معارضوه مشقة كبيرة في وضع المتاريس أمامه ولكنهم سيصطدمون بقدرته الهائلة على الصمود والاستمرارية ، على مجابهة كل هذا وعدم الالتفات الى عوائهم الجبان والمدهون بالضغائن والقبح.
* سيحمله جيل كامل أيقونة ضد العادية والتشابه وسيحتفون به، سيحملونه في قلوبهم الصغيرة الكبيرة المنكسرة والممتلئة بعافية التوق والحياة والجمال والمصادمة ، سيجدون فيه البطل المغني كما في الأساطير القديمة وسيقصون الاف الحكايا عنه، عن اختلافه
عن انبهار العالم به ,
وهم يعنون بالعالم كل شخص صادف صوته في أي مكان ونبش ذلك الصوت جهازه العصبي بصدمة الطرب والحلاوة الحريفة، وسيكون هو صوتهم ودليلهم في ليل السودان الطويل.
* سيكون محمود عبدالعزيز هو الشجن الأزلي لبلاد ستترنح دائماً أمام الجديد وتعاديه، واللوعة التي سكنت شرايين المعنى في نسيج الغناء والروح الهائمة في فلوات التطريب والنزوع الى اللا نهائي .
* الحسرات التي قطنت صوت الفتى النحيل ودهنت أسطورة صوته بالشعرية الالهية ستزيد من سحره ، وستجلل تجربته بحزن أصيل وجاذب.
* سيذهب محمود بالغناء الى أمكنة بعيدة في التأويل والجسارة، سيذهب به الى جوارحه نفسها القابعة في جنوب الروح والمصادفة الرفيعة في فكرة المصائر والنشوة الجغرافية والخصائص الرفيعة لفكرة الحب والتطريب .
* لاشئ سيغطي على أسطورة محمود حتى لو كره الكافرون بموهبته وندرة حضوره الملحمي.
* (ما بطيق لي غيره أسمع) كانت لافتة كبيرة رفعها الشباب في آخر حفل لمحمود، لأن محمود هو التعويذة الساحرة لهذا الجيل ولأنه بلاغة حوارهم مع الشروط الوجودية التي تؤسس لرفاهية فكرة الغناء في شرايينهم المدهونة بنكهة لوعة لاشرطية وشكيمة عبث لانهائي وجمال متدفق.
* (مابطيق لي غيرو أسمع) كانت مانفستو ضد المغاليق الادعائية لأصوات مشروخة بصدأ التكرار والتقليد والتشابه، كانت ردا على الأصوات التي تحاول استغلال ظهور الاسطورة بشكل مرهق في برنامج تلفزيوني لمصلحة خطابها السياسي الرتيبب والباهت المبني على توظيفات سادرة في المغالاة وسوء المقصد الكتابي.
* حل محمود عبدالعزيز على أرض الغناء السوداني طائراً في شئون القلب، يتبع نداء شغفه ، يكتب بحنجرته الساحرة مدونة الحب والهجر والعاطفة والحلم لشعب كامل من الطلاقة والخسارات يعبر عنه جيل من الحب.
* محمود سائر باتجاه اكتمال أسطورته بنحوله البهي وشكيمته القوية ،وروحه الهفهافة، وجسارة صوته الذي هزم النظام داخل إحكام سطوته، وسيستعصي على البحاثة المزيفين النزقين المستعجلين المسيئين لأدواتهم غير المجلٌوّة، ولأهدافهم القريبة الغريبة، بدوافع تتقشر بمعقولية سطحيتها ، وابتذال استخدامها داخل منطق سياقها نفسه وصياغة خطابها المُغرِض.
* وسينقش هذا الفتى النحيل ـ المنذور للخلود ـ على جسد الاغنية أوشاماً لن تذول ومنمنمات جميلة وباذخة ستقول أن شباباً ادركوا فرادته وندرته وصدقه ووسامة صوته وهم يرفعون لافتة كبيرة كتب عليها :
ما بطيق لي غيرو أسمع
*ولن يكون بوسع الفتى النحيل غير تحمل أعباء أسطرته وجمالها ودفع ضريبة اختلافه عن طيب غناء. لن يكون بوسعه سوى تحمل سهام النقد الفتاكة والضارة، لن يكون أمامه سوى أن يكون حائط مبكى الجميع، والذين سيعلقون عليه خيباتهم وخساراتهم، وسيمضي محمود بذات الرهافة والطيش المهاب الأخاذ، وسيهرق البعض جهاته الضالة على درب محمود وهو غير الآبه سوى بشغفه الأزلي بكل بساطة ورحابة معنى الغناء وجلال وجمال حضوره في حياتنا.
* جاء محمود من معضلة وجودنا المختلس هنا، جاء من نزيف شهوتنا لغناء يناسب اقتدارنا الممزق بين ضراوة واقع نزيه في هجرته نحو أقاصٍ بعيدة في خيال الموت، وسديم أحلام خفيفة نبتكرها قسراً لنعرف كيف نعيش، جاء محمود بصوت عوالم في نشيج الطبيعة وهي المحكومة بجدل غبطتها وضرورة قوانينها العبثية في حقول الشراسة المحتومة.
* صوت حودة هو نجاتنا من شراك الدندنات البائسة المكرورة المنزوعة من يأسها.
* غناء محمود عبدالعزيز هو اندلاع الأرض في سماء المتصور وجنون الطرب
آناء الجنوح المجيّش لزحزحة الغناء عن طوره الماثل في الصورة العامة السائدة.
*محمود أعاد للغناء شهوته ورتب شظاياه التي تناثرت على مهل ، أعاد للطرب براريه الرحبة بلا إدعاء، والاستماع لمحمود هو الرتبة الأكثر حنكةً من شغب الفانتازيا المحتملة.
* حفلات محمود هي الترف اللامحدود في صَدَفة اللحظة وهي السموات الرحيمة ببطش المتعة التي تتذلل الى طرب هائل ومعتوه، حفلات محمود هي الحياة في نزعتها الطائشة الغفورة، وهي زرقة الجهات ماثلةً في الأقواس، ورهينة الحواس التي تنمو في الدم حينذاك.
* الظلمة التي تنبت في قلوب البعض وتجعلهم يحملون معولاً فضفاضاً باتجاه محمود ليس لها سوى اليأس مأوى ولن تجد سوى البسالة الوحشية غير المروضة لتجربة فنان ما همه إن كانت الأض مستديرة أم مربعة بقدر ما تهمه نوازع أقداره ومصائره في كثافة غمره بالتطريب حتى أخمص كيانه المغموس في محيط السحر البدئي والإقتفاء الواعي لمسالك ودروب الغناء الغناءة..
*خيال صوت محمود الجامح سيرتاد كل مرةً عوالم وأكوان باهظة لأن خيال صوت محمود هو أيضاً عوالم وأكوان باهظة.
* سيشعل محمود مسارح كثيرة في هذا المكان وخارجه، وسيكون صوته المعبأ بالأسرار هو الترياق لضجر آدمي مقيم وانهيارات حياتية تسرف في غنجها المهتوك بخنجر السأم الصقيل، سيشعل محمود أرواحنا بالنجاة المهلكة،.
* أسرار عظيمة تقطن في حنجرة الفتى النحيل والذي سيوزعها كل مرة علينا ،سيغمرنا بما نعرف ومالانعرف بصوته القوي المشجون القاتل والأسطوري، وأسرار كثيرة وكثيفة ستجتاح كل من وهب نفسه ثانية فقط ليسكن صوت الحوت ويمنح نفسه إجازة من
أعمال اليوم والاجراءات السقيمة في نزهة مستحيلة ونادرة داخل صوت محمود.
* عبأ محمود حياتي بالغناء والحب وحب الغناء والحياة.
*شكراً محمود... فلقد عشنا عصراً أنت فيه.



* نشرت هذه الكتابة في صحيفة الأحداث اكتوبر 2011م

السبت، 27 أبريل 2013

مــن أيــن يأتى هـــؤلاء ؟


الطيب صالح 


السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب ؟
هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنّازحين ؟
يريدون الهرب الى أيّ مكان ، فذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم . كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين .
يُعلَن عن قيام الطائرات ولا تقوم . لا أحد يكلّمهم .
لا أحد يهمّه أمرهم .
هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى ؟ وعن الأمن والناس في ذُعر ؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب ؟
الخرطوم الجميلة مثل طفلة يُنِيمونها عُنوةً ويغلقون عليها الباب ، تنام منذ العاشرة ، تنام باكية في ثيابها البالية ، لا حركة في الطرقات . لا أضواء من نوافذ البيوت . لا فرحٌ في القلوب . لا ضحك في الحناجر . لا ماء ، لا خُبز ، لاسُكّر ، لا بنزين ، لا دواء . الأمن مستتب كما يهدأ الموتى .
نهر النيل الصبور يسير سيره الحكيم ، ويعزف لحنه القديم " السادة " الجدد لايسمعون ولا يفهمون .
يظنّون أنّهم وجدوا مفاتيح المستقبل . يعرفون الحلول . موقنون من كل شيئ .
يزحمون شاشات التلفزيون ومكرفونات الإذاعة .
يقولون كلاماً ميِّتاً في بلدٍ حيٍّ في حقيقته ولكنّهم يريدون قتله حتى يستتب الأم
مِن أين جاء هؤلاء النّاس ؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات ؟
أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب ؟
أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط ؟
أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟
أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد ، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي و المصطفى ؟
أما قرأوا شعر العباس والمجذوب ؟
أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة ، ألا يحبّون الوطن كما نحبّه ؟
إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه ؟
أجلس هنا بين قوم أحرار في بلد حرٍّ ، أحسّ البرد في عظامي واليوم ليس بارداً . أنتمي الى أمّة مقهورة ودولة تافهة . أنظر إليهم يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء ، ولو كان أمثال هؤلاء عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق .
من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات ، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات ؟
هل حرائر النساء من " سودري " و " حمرة الوز " و " حمرة الشيخ " ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم ؟
هل ما زال أهل الجنوب ينزحون الى الشمال وأهل الشمال يهربون الى أي بلد يقبلهم ؟
هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب ؟
من أين جاء هؤلاء الناس ؟ بل - مَن هؤلاء الناس ؟

الأحد، 21 أبريل 2013

كاماسوترا الكتابة


عماد عبدالله


و هي تفرغ من تنضيد الوردات على أصيصٍ من خزف أزرق - و النافذة تفتح على وجهها حزم الضوءِ, فيليق بالضوء الغنج - قالت : هذه تصفيفة " الكوماسوترا ".. خصيصاً لك .. sir .
فأنا الآن " سير " . تأملتها, كان الله جميلاً فيها .. و في باقة الوريدات, و في النافذة .. و عندي جميلا .
التف ساق وردةٍ بوردة - و التويج يغرق المِتَكَّ بالقبل -
عالجتُ جلستي - يا مستقر جسدي الذي انتصب - و أمعنت في التأمل . ( ضربة الفرشاة الأولى باللون .. القبلة الأولى .. الرعشة الأولى .. أول ابتدار الكمنجة بالحنين .. المذاق الأول لكأس .. أول المداعبة .. أول الوحي .. و الليل في أول الحشرجة ) .
...
جوقة التبليغ : ( مولاي .. مَن صاغَ أولك ؟ ) .
...
الرحلة رقم 452 .. هنا سموات الأناضول . و بحر إيجة من تحتي .
جاء مقعدي و النافذة عن يميني , قربي شيخٌ قال بأنه من الأرمن ، و أخرصني بالكلام الكلام الكلام .. حتى تعب فكف فنام طوال بقية الرحلة .. و الليلُ في أول القطف . جاءت البنت التي على وجهها الله تبدّى .. لمزتني بالعين و الغمازتين . طلبتُ منديلاً منها ، و طلبتُ ماءا . المقصورة في الطائرة تغط نائمة .. إلا أنا و الليلُ هذا, و بقعة الضوء التي لاذت بفخوذ الورد الشبقة , و بقايا الكلمات التي لم أقل .. ثم فشهوة وشيكة الهطول .
قلت : what about the Kamasutram?
قالت غانجتي : You better ask Nandi, he heard the entire whispers
...
ضربة الفرشاة الأولى باللون .. القبلة الأولى .. الرعشة الأولى .. أول ابتدار الكمنجة بالحنين .. المذاق الأول لكأس .. أول المداعبة .. أول الوحي .. و الليل في أول الحشرجة .. ثم شهوة الكتابة .
...
جوقة الحكمة : ( أكتبي يا بنت الناس .. هل ؟ ) .
" شيفا " و " بارفاتي " يزالان بركاناً ..
و ناندي في أول التدوين .
ـــــــــــــــ
يومان ثم و كان فاجأني المخاض في البحر . فوقه ..
نورسٌ وحيد , تبع العبارة المتبوعة بأجاج الرغو الصّعاد .. يتكاثف علواً لينخفض مبتلعته الزرقة . رقبت النورس لبعض وقتٍ و السماء تستحيل برتقالة .. ثم حلوى برقوق ، ثم حناء محمرةٌ عظيمة . تذكرت تاج السر الملك و " جوناثان ليفينغستون " ، و رسم بالأبيض و الأسود لطيرٍ غريب , ضخمٌ ، يسد جانحيه حدقتي الهوامة في أضواء الليل الملتمعات على السطح اللازوردي المحمر .
ثَمَّ برد خفيف قرصني في شحمة أذني .. فتلثمت بكوفية نلتها من بازار التُرك الذي في عورة المدينة . استزدت دفئاً - بلذة ما - فعدت رفعتُ ياقتي ، و رفعت ظني في الله .. حتى حَسُنَ .. و ركنت للسكون المموسق إيقاعه .
هذا سلامٌ عجب .
نوارس أخرى عجّ بها البحر .. و بها رعفتُ حتى استدقت روحي فشحِذت و امتشقت فارعة .أصوات القوم في علية العبارة تتقاطع خفضاً فعُلوّا , ذلك و صخات النوارس و الهدير للموج من تحتي ، و الرغو و طقطقة المحركات .. و و و .. يتكالب عليّ العرس في يافوخي .. فيحمحم دمي .
توالدت الدنيا : الأصوات و الروائح و الطعوم و الملامسات ، و البهار في ذاكرتي . إجتمعن عليّ فوقّعَن الصورة تلك فذيّلنها.. و كنتُ الإطار المعدني المنصهر .
هو المساء يرخي غبشته .. و الليل قطفة أولى بعد . ثمة عاشقين عن يميني يقتعدان حافة الإفريز الحديدي للعبارة . اندغما حتى فاختلطا . لبرهة - و البحر و الليل و النوارس و الأزيز و الأرجحة و الموج و خيوشمي .. و العاشقين الملتحمين في الحمم . تنبأتُ بمازورة أولى لسيمفوني هو لا محالة مرتكبني - برهة اجتمعت فيها الأنوات بسلامتها : معطيات الله الصنيعة .. و أنا . لقيتُ الكون مُشرَعا لي .. أفقاً حدادي مدادي .. الأبواب و النوافذ و المنافذ و الجخانين الـ ........ انفتح سَمسَمها , فأيقظن للشعر هسهسته القديمة :
( خِلتُ لمَّا
سَلّمَتْهُ الوَسَطَا
كَبِدَينِ اختلطا
حينَ ضُمَّا )
إشتهيت ما اشتهيت آن غزوٍ ..
و تعددتُ نوايا و نوايا و نوايا ، في كل ما يُشتَهى تعددت .. عدتٌ ملايين الأنوات .. و بقيتُ كذا .
حتى فانتقتني الكتابة قالت : " باب الروح متاكة " ..
فانسربتُ .. فكتبتْ :
إلهي .. ما أجملك .

٢٠١١