السبت، 7 أكتوبر 2023

سنعود حتما

 الظالمون سيذهبون لا لن يعودوا من جديد

إن عادوا عدنا للهتافات، الشوارع والنشيد

وها هم قد عادوا يرتدون ملابس الحرب ويصعدون على ظهور التاتشرات والطائرات.


لا للحرب ليست موقفا محايدا كما يدعي المزايدين، وهي ليست موقفا سلبيا أيضاً كما يفترض الذين يرون أنه لابد من الوقوف بجانب ودعم (أحد طرفي الصراع)، لأن أفكارهم وتصوراتهم الثنائية تعتقد أن هذه المعادلة تقتصر على طرفين فقط سالب أو موجب، هلال أو مريخ، خير أو شر، إما أبيض أو أسود، وفي هذا التبسيط المخل يرون أن الخيارات تتوقف على أن تختار واحدا من الطرفين، وأنه لا مجال للتهرب من أحد هذين الخيارين، وأنه لابد لك من الوقوف إلى أحد الجانبين ليتم تصنيفك وتصنيف موقفك الوطني. 

لا للحرب ليست هي الحياد، فأنت عندما تقل لا للحرب فأنت تقف ضد المتنازعين على حد سواء لأنك ترفض ما يفعلانه من تقتيل وتشريد وتدمير وتهديم، وما يقومان به من صراع على حساب حياتنا وأرواحنا وأرضنا ووجداننا، لا للحرب تقول بكل صراحة بأنها ضد الحرب كوسيلة لحسم الخلافات، هي ببساطة ضد الطرفين (الذين هما في الأصل طرف واحد منشق على نفسه) هي ضدهما لأنهما ينتهكان حقنا في الحياة الآمنة والكريمة.

لا للحرب ليست دعوة لوقف الحرب فقط، بل هي في أصلها وصميمها رفض للحرب، هي موقف من الحرب نفسها كوسيلة لحسم الصراع حول السلطة أو حول كيف تُحكم البلاد أو من يحكمها أو حتى كيف يحكمها، إن الصراع حول السلطة يجب أن يحسم بالوسائل السلمية والطرائق المدنية المتحضرة، الوسائل السلمية التي يجب أن نضع فيها تصوراتنا حول مسائل ظلت تعيق تقدمنا كأمة ودولة عبر مسار تاريخنا الحديث، هذه الوسائل تقف الديمقراطية على رأسها، فالديمقراطية عبر الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لتداول السلطة سلميا. ليس المطلوب هو وقف الحرب فقط، بل إيجاد إطار موضوعي يمنعها من أن تتجدد في السودان، وضع إطار فلسفي يشرح لنا كيف يمكن أن نتعايش جميعنا في هذه البقعة التي تئن وتشتعل الآن، وقف الحرب يتطلب وضع رؤية واضحة نتفق حولها جميعنا لتوقف معاناة السودان والسودانيين وتوقف معاناة العالم. 

هذا الإطار الفلسفي يحتاج منا لفهم طبيعة هذه الحرب وكيف نشأت ومن هو المسئول عنها ولماذا أشعلها؟ في الرؤية المفهومة أن من أشعلوا الحرب هم الكيزان، هي محاولة منهم للإنقلاب على الثورة المدنية السلمية التي تحاول وتؤطر لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وهي بالضرورة الإنقلاب الثالث الذي يقومون به ضد المدنية والسلمية، الإنقلاب الأول كان فض الإعتصام والثاني كان هو إنقلاب ٢٥ أكتوبر وبالضرورة هذه الحرب هي الإنقلاب الثالث لقمع ووأد ثورة شعبنا الظافرة، وهي بالضرورة حرب منكسرة وخاسرة كما خسروا في فض الإعتصام الذي شهد أسوأ أنواع القمع والقتل والترهيب وانهزم وانكسر كما انقلاب ٢٥ أكتوبر الذي فشل في كسر عزيمة شعبنا، هذه الحرب الخائبة مهزومة بالضرورة، تقابلها عزيمة رجال شامخين ونساء أبيات، شباب وشابات صامدون بكل الجمال المزروع في الدنيا، مواقف جسدها صمودهم وبسالتهم وقوتهم.

فهم طبيعة الحرب التي صنعها الإخوان المسلمين للتحايل على سلميتنا سيفشلها وسيسقطها، وواهم من يعتقد أن الإخوان المسلمين يقفون وراء الجيش فقط، فهم يقفون وراء مليشيات الجنجويد التي صنعوها لقمع شعبنا في دارفور، كما صنعوا مليشيات الدفاع الشعبي لقمع شعبنا في الجنوب، التي انقلبت ضدهم يوما لو تذكرون السائحون، فكل تجارتهم خاسرة ومنقلبة عليهم، كما ستنقلب عليهم كتائب البراء بن مالك من بعد، ولكن الوعد والأمل أن هذه هي المرة الأخيرة التي يصنعون فيها مليشيا يقمعون بها إرادة شعبنا. فمليشيات الجنجويد هي من نفس المنبع الذي نبعت منه مليشيات الدفاع الشعبي وهو نفس منبع كتائب البراء بن مالك، كلهم ولدوا وصنعوا من ذات المنبع الآسن والنتن.

هل ستعتقد مليشيات الجنجويد أننا سننظر لهم كحركة تحرر وطني كما كنا ننظر إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان؟ هل يعتقد محمد حمدان دقلو أننا سنراه كما نرى داوود يحي بولاد المخلص لجماهير شعبه؟ فهو إذن ينتظر أن نصدق الذئب الذي يرتدي ملابس الحملان أنه برئ، كما لا يعتقد الجيش الذي لم نرى منه إلا الإعتداء على حرية شعبنا في ١٩٥٨ و ١٩٦٩ و١٩٨٩ متدثرا بالأحزاب السياسية في كل مرة، صانعا منه غطاءا سياسيا له في كل مرة أن ننظر له نظرة المخلص الذي يريد إنقاذ شعبنا، فنحن لم نراه ولا لمرة واحدة طوال تاريخ الدولة الحديثة في سودان ١٩٥٦ إلا معتديا على الشعب وجماهيره، والأسوأ والأنكأ أنه كل مرة يضع طاغية أكثر جهلا وسفاهة وتفاهة من الذي قبله، فلا يعتقد البرهان أنه سيكون مختلفا عن البشير أو نميري أو عبود إلا أنه فاقهم في التفاهة والوضاعة.

فهم الإطار الموضوعي ووضع الإطار الفلسفي لوقف الحرب يكون بفهمها وفهم أسبابها ودوافعها هو ما سيوقفها ويمنع تجددها إلى الأبد.

يتبع… 

Stay tuned