الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

الحكومة السودانية تواصل حربها ضد النساء


أعناب عبدالرحيم 

تمت صياغة القانون، بحيث ينتصر الطاغية و يتم تجريم الضحايا، لقد تم تحديد مواعيد المحاكمة و النطق بالحكم: الأول من سبتمبر 2013م و التي غيرت لاحقاً إلى التاسع عشر من سبتمبر، إنها إدانة أخرى جائرة تتم بموجب "المادة القمعية و سيئة الصيت" المادة (152) من القانون الجنائي، و التي تتم عملية تطبيقها و القيام بها بواسطة شرطة النظام العام. ضمن آلاف النساء اللواتي يسقطن ضحايا لهذا القانون كل عام، سوف تواجه المهندسة و الناشطة السياسية و الإجتماعية (أميرة عثمان) المحاكمة بتهمة إرتداء "الزي الفاضح" و ذلك بموجب النص الفضاض للمادة (152) من القانون الجنائي لأنها لم تكن تضع الطرحة على رأسها. سوف تشهد النساء السودانيات و المجتمعات العالمية الناشطة في هذه الحادثة المألوفة بشكل مقلق إعتداءاً فظيعاً آخراً على حريات و حقوق النساء في السودان. إنها مثال آخر على فظاعة القانون الذي تسقط تحت سياطه آلاف النساء في السودان – حيث تم إستغلاله لتجريم الضحايا و تمجيد المجرمين.
و بحسب التقرير المنشور في صحيفة الميدان، و هي جريدة سودانية فإنه تم القبض على أميرة عثمان بواسطة أحد رجال الشرطة عندما كانت تقوم بعملية إجراءات تسجيل قطعة أرض في محكمة جبل أولياء، قام رجل الشرطة بسؤالها: لماذا لا تقوم بتغطية رأسها؟ فأجابته أميرة: بأنها لا ترتدي الحجاب، بعد ذلك تم تحويلها إلى قسم الشرطة، حيث واجهت أشكالاً مختلفة من الإساءات اللفظية ، كما أنها رفضت الإجابة عندما تم سؤالها أسئلة شخصية و غير لائقة. و في ظل المعاناة من ظروف الإحتجاز المهينة و الإساءات اللفظية، دخلت أميرة في حرب كلامية و مشادة مع رجال الشرطة الذين أصروا على سؤالها عن قبيلتها، هذا السؤال لا يعكس فقط العقلية العنصرية المتجذرة في مؤسسات الدولة، بل أيضاً المعاملة غير الإنسانية التي تعاني منها النساء في السودان، حيث تشمل العقوبات التي ينص عليها القانون الجلد و الغرامة بل و يتعداها إلى السجن في بعض الحالات.
بحسب ورقة بحثية منشورة بواسطة "مشروع إصلاح القانون الجنائي السوداني" الذي تموله (منظمة ريدريس لحقوق الإنسان) تنص المادة (152) من القانون الجنائي على التالي: 1. من يأتي فى مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيّا بزيّ فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. 2. يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان ذلك فى معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل. تعيد هذه الحادثة إلى الأذهان قضية (لبنى أحمد حسين) الشهيرة، و هي صحفية سودانية ذائعة الصيت حوكمت بتهمة إرتداء الزي الفاضح لأنها كانت ترتدي بنطالاً.
توضح قضية لبنى سابقاً و الآن قضية أميرة أن هذا القانون يمثل إشكالية مستعصية و على وجه التحديد لسبب خطير: أنه يعطي الذين يقومون بواجب تطبيقه سلطة مطلقة و غير قابلة للمحاسبة من أجل الحد من و قمع حرية النساء لأسباب و ذرائع واهية. ففي حالة لبنى على سبيل المثال، تم إستخدام القانون من أجل كبح جماح نشاطها الصحفي، حيث كانت لبنى تنتقد الحكومة بشكل واضح من خلال مقالاتها المنشورة، كما أن هنالك سبب خطير آخر و هو أن هذا القانون لا يوضح بشكل قاطع كيف يبدو شكل "الزي الفاضح" أو ماهو "الذي يخل بالآداب العامة"، عليه فهو يخضع هذا التعريف لمزاجات و رغبات و الأحكام القيمية الشخصية للمعتدين. و بالتالي فإن الصياغة الفضفاضة للمادة (152) من القانون الجنائي يمكن أن تستخدم وفقاً لتقديرات المعتدين: فهي تستخدم كوسيلة للعقاب و التلاعب و القمع، كما أنه يمكن أن يتم إستخدام هذا القانون لدوافع سياسية، و ذلك بناءاً على الحقيقة القائلة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إتهام أميرة تحت المادة (152).
لقد قامت حملات تضامن واسعة نظمتها منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الناشطين داخل و خارج السودان، فقد كتبت الصحافية و الناشطة الإجتماعية (أمل هباني) على صفحتها في الفيسبوك معبرة عن التضامن مع (أميرة) و الوقوف بجانب نساء السودان الأخريات ضد هذه القوانين المشينة و المهينة التي تسعى إلى جر النساء إلى العصور المظلمة، تقول (أمل): " أميرة عثمان لمن لا يعرفها ليست المرأة التي تقهر بقانون النظام العام مرة أخرى، فقد حدث وأن كانت ضحية لهذا القانون وهذه الشرطة أيام دراستها الجامعية، وقد أورثتها هذه التجربة على الرغم من إيلامها النفسي صلابة وشجاعة جعلها تتصالح مع جسدها ومع كل ما ترتديه باعتبارها دائرة خصوصيتها التي لا يحق لأحد تعديها. وهي بذلك تجاوزت قهر القانون حكومته ومنظومته الشرطية الفاسدة، بل وتجاوزت كل هذا المجتمع الذي سقط في براثن الجهل والتخلف والنظرة المنحطة للنساء التي أحكم هذا النظام تفريخها وتلقينها للمجتمع بكافة السبل".
و في ظل الفساد الذي ينخر في جسد الأمة، فإن أي إنسان يتمتع بوجدان سليم ينزعج من أن الرأس الذي لا تتم تغطيته يزعج أنظار الحكومة أكثر من الإبادة الجماعية المتواصلة و تدهور الصحة و التعليم و إنهيار البنية التحتية و إنتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة. إنهم يغضون الطرف عن كل أشكال الظلم التي تحدث في السودان، و يركزون فقط على شعر أميرة و أجساد النساء، مما يوضح بجلاء العقلية المهووسة بالجنس للنظام الحاكم، حيث أن ما يجمع مؤسساته هو فرض سلطتها عبر إذلال و قهر النساء. لقد أصبح من الواضح أن المادة (152) ليست مادة قانونية، لأنه عندما يفكر شخص ما في مفهوم القانون فإن أول ما يتبادر لذهنه هو قيمتي العدل و المساواة و هما غير متوفرتين فيها.
إن المادة (152) من القانوني الجنائي هي مجرد ذريعة يستخدمها ضعاف النفوس من أجل تغطية عجزهم عن قبول النساء ككائنات إنسانية. إنهم يستخدمون هذا القانون كشماعة يعلقون عليها أخطائهم السياسية بقهر النساء، إنهم يعززون سلطتهم و يثبتون عقدة نقصهم برجولتهم، عبر فرض الأنماط السلبية للنظام الأبوي. إنه ليس من العدالة القول بأن رفض هذا القانون هو رفض "القوانين الملزمة بالحشمة" كما يدّعي الكثيرون أو يعتقدون في ذلك، وذلك لسبب بسيط و هو أن هذه القوانين مكتوبة بشكل غير لائق و تطبق كذلك بصورة غير محترمة، فعلى سبيل المثال فإن هنالك العديد من النساء اللائي واجهن تعسف هذا القانون لأنهن رفضن عروضاً غير لائقة تم تقديمها لهن. و يكشف هذا عن أن هذه القوانين التي تستخدم كأدوات قمع و بطريقة تعسفية ضد النساء تتطلب تغييراً كبيراً في المشهدين السياسي و الإجتماعي، إن التغيير سوف يأتي عندما ندرك الترابط الكبير بين المعايير الثقافية و الطرق التي يمكن بها قهر الشعب، و على وجه الخصوص النساء. إنه لمن المهم أن التعرف على كيف أن المعايير الثقافية تشتغل كميكانيزمات لقهر النساء، عبر تعطيل التغييرات الإيجابية التي يلغيها هذا القانون ليحل في محلها.
يعكس فشل الحكومة السودانية في تعديل مثل هذا النوع من القوانين وصولها إلى أسوا درجات الإنحطاط و التحلل السياسي، و الذي يتجلى بوضوح في الإنهيار الأخلاقي للمؤسسات و الهيئات الحكومية، و تعتبر مثل هذه القوانين معاناة مستمرة للنساء السودانيات، لأنها تستمد قوتها من المفاهيم و الموروثات المؤسسة على إعتبار أن المرأة كائن من الدرجة الثانية و تعتبرها رمزاً للعيب و الفسوق. يسمح هذا بإستغلال النساء و توظيفهن لخدمة مجتمع أبوي في الأساس الأول. لقد عكست أميرة عبر رسالتها المصورة بالفيديو بسالةً لا يمكن قهرها و رغبة في تحدي هذا القانون القمعي، فقد قامت بدعوة الناس من أجل حضور جلسات محاكمتها من أجل محاكمة القانون نفسه، لقد عبرت عن أصوات آلاف النساء السودانيات اللائي كن ضحية لهذا القانون. صحيح أن القانون مكتوب، و لكنه ليس جامداً مثل الصخور، و قريباً سوف تنتفض نساء السودان و سوف يقمن بمسحه و إزالته من الوجود. و سوف تأخذ التدابير الأخرى التي تعزز و تحافظ على كرامة و حرية النساء السودانيات مكانها الصحيح في القانون و في تاريخ السودان.

ترجمة: سامي صلاح
رابط المقال الأصلي: Sudanese Government Continues Its War on Women


الاثنين، 2 سبتمبر 2013

مبحث في حالات الشوق


في البدء كانت حبيبتي و لم يكن معها شيئ، كانت عينيها الآسرتين و كانت ضحكتها الخلابة و وجهها المشرق، كان المكان يضيئ لمجرد ذكر إسمها، ثم قالت حبيبتي ليكن الشوق!! فكان الشوق يفعل فعله و يسطو سطوته على وجودي، ثم كان ارتباكي حاضراً من جهتي كدفاعات ضد حضورها الطاغي رغم قارتين و محيط يفصل بيننا، فعجزت عن تبين هذه المحايثة اللطيفة رغم فوارق المكان.

و كان الشوق أول ما بدأ عصفوراً مخلوقاً من طينة الحنين، و يقال أنه صنف من الحمام الزاجل كان يتراسل به عاشقان يتحايلان على أهل البلدة التي حرمتهما الوصال، و كان ذلك العصفور في مشواره الليلي يشدو و يترنم فيحرم أهل البلدة النوم، ثم لعنته الآلهة فصار شوكةً تطعن خاصرة الكائن العاشق، فلما توارث العشاق ذلك و لم يردعهم ذلك جعلته الآلهة غصة في حلوقهم ثم شهقة و جعلته نفساً حاراً يتنفسه الكائن العاشق ثم يسقط مغشياً عليه، فلما لم يمتنعوا من توارث الشوق المصاحب للعشق جعلته خليطاً من ذلك كله، فما من كائن عاشق على وجه الأرض إلا و ذاق من ويلات الشوق نيراناً حامية لا تبرد إلا بلقاء المعشوق، و ذهب المتطرفون منهم مذهباً صعباً لا يرتقى فقال قائلهم: (كل شوق يسكن بملاقاة المعشوق لا يعول عليه)، كان الشوق مخلوقاً من طينة الحنين فتمثلت فيه بعضاً من غربتها و نبلها و حميمتها الملتصقة بجدار القلب.

و تنتاقلت سيرة هذا العصفور مع طائرة خاطفة تسمى "الفضيحة" فما تنقل الشوق في فضاء إلا و تمشت معه الفضيحة رفيقة تلحقه حيثما حلّ، و مع أن أن أهل بعض البلدان المتعجرفة التي تحرم العشق سموا الشوق بالسترة فقالوا أن : "الفضيحة و السترة متباريات" إلا أن ذلك الإسم الغريب لم يطغى على الشوق، فظل مفضوحاً رغم محاولات السترة الخجولة لتغطيه، ثم لمّا تحول الشوق من كونه عصفوراً إلى تلك الحالة الغريبة من المشاعر تحولت الفضيحة معه إلى حالة معنوية! فكان الشوق حالة من حالات العري المعنوي التي تفضح الكائن العاشق، و تنتهك خصوصيته فيصير حكاية تتناولها الشفاه المتهتكة و العقول الصغيرة التي لا تدرك جسامة الأمر و جلالته، ذلك أن للحب لغة لا تدركها الكائنات المتلفتة من فضاءه و التي أبتليت بغباء التعقل البشري و المصنوعة من طينة النفاق الإجتماعي، فترى في الشوق مجافاة للذوق الإجتماعي و تمرداً على سور القيم المتسلطة، و لأن تلك القلوب المحرومة من الشوق مغلوب عليها بالتسلط و القهر، تتداول الأمر الفضائحي بشيئ من التلذذ و المازوشية. فكان التحجر و القسوة ملازمتين لكل كائن غير عاشق.


ثم حنّت حبيبتي بشيئ من الرحمة في قلبها، فمن خصائص الكائن المعشوق أن يكون رحيماً بمن يعشقه، فكانت إبتسامتها تطفئ لهيب الشوق و لوعته، ثم ما لبثت أن أخفت إبتسامتها تلك فعاد النيران أشدّ ضراوةً، فعلمت أنه من عادات الكائن المعشوق التجبر و الكبرياء و الفتك بالكائن العاشق، و لا يجري ذلك الأمر كنوع من السادية كما تصوره أشعار الأولين، بل هي عادة جرت عليها القلوب العاشقة في تبجيل شأن المحبوب و عدم القدرة على الحرمان و الفراق، فذهبت تتحايل الأمر بهكذا تصاوير تلقي اللوم على المعشوق و تتصنع اللوعة في قسوته و جفائه، و مما قيل في ذلك ما ورد في الأثر: "محمد معانا ما تغشانا" يقول القائلون و المفسرون أنها قيلت لعصفور الشوق، الذي كان يحلق فوق رؤوس العاشقين تطرد سلطته و سلطانه غير مدركة أنها كلما هشّته بعيداً كلما إزداد إنقضاضه و قوته.