إعتذار عن حالة وطن

في البدء كانت الصدمة:
"
أي وطن هذا الذي كنا نحلم أن نموت من أجله، فإذا بنا نموت على يديه"
إقتباس من مجهول

ثم كانت اللكمة:
و أنا جالس في مقعدي الضيقة في الحافلة، جلس بجواري رجل ثقيل مدد رجليه بعنف ليحتل نصف مساحتي (هذه الجلسة تعاني منها أغلبية بنات الوطن (ذو التوجهات الإسلامية) فيما يصطلح عليه (بالتحرش الجنسي) فمن النادر أن تمر بضعة أيام دون ألتفت إلى أحد الفتيات/ النساء و هي تخاطب جارها:
-
زح كدا شوية لو سمحت.
أو: شيل إيدك دي!!!
يده؟ أين يدسها هذه اللعينة؟)
نظرت إلى جاري شذراًً و أنا ألملم حالتي العدوانية وأكبت نزوعاً إلى العنف ينتابني، ثم أشحت بوجهي إلى النافذة متوارياً وراء التعب و الإرهاق بعدعناء يوم طويل، تنحنح مذيع أخبار جهوري داخلي، فأخرجت ورقة و قلماً و بدأت أسجل:

خبر عاجل:
هذا العام سوف أكمل عامي الأول بعد الثلاثين.

خبر مفاجئ:
بدأت أقلق من مرور السنوات، يبدو أن ما يطلق عليه الخواجات (أزمة منتصف العمر) أتتني مبكرة عن مواعيدها بعشرة سنوات في هذا العمر في هذا الوطن.

خبر محبط:
لا توجد أي إشارة في الأفق تخبرني بأن ثمة مخرج، لأنني لا أرى ضوئاً في آخر النفق.

خبر بفلوس:
اكتشفت أنه لا أرى ضوئاً و لن أجد له أثراً، لأننا لا نسير في مسار أفقي، اكتشفت أننا في حفرة نتسارع إلى أسفل حسب قانون الجاذبية الوطني، و على عكس ماقاله أحد الفلاسفة الفرنسيين: (لا أخشى السقوط لأنني في القاع) علينا أن نخشى لأنه لا يوجد قاع في الأسفل.

خبربايت:
الموت نقاد يختار الجياد، لهذا نحن نردد : (عشت يا سواني) فليدم هذا الوطن.

إعتذار أول:
إلى أمي عن خذلاني إياها وعن القصور و الإحباط:
مساء الخير يا أمي
ضمير الكون سكن دمي
بقيت اللقمة للفقرا
و قلت أكون مصابيحم
كتر همي وكتر همي
إقتباس عن قصيدة لأبكرآدم إسماعيل

إعتذار ثاني:
)
إلى إنبثاق نفسي عني خارجي):
إنك لا تهدين من تحبين و لكن الوطن يهزم من يشاء بغير إعتبار.
إقتباسين: الأول بين القوسين عن الشهيد محمود محمد طه وعن الخطاب المقدس

إعتذار ثالث:
إلى ستات الشاي و بائعات العرقي و بائعات الهوى:
لا تحفلن بخلاعة هذا الوطن، و لا بأحاديث الذين يريدون أن يطهرونه قسراً من دنسكن، لأنكن أشرف من ألسنة الفجرة و من زيف الدقن الشيطانية.
إقتباس من قصيدة لحميد

إعتذار رابع:
إلى شريف الفيل و علي لوز و الجزولي و عمار و أفراح و منعم الجاك، إلى الملايين الذين طردهم الوطن فتشتتوا في المنافي و الفيافي:
اعلموا أن هذا الوطن يضر و لا ينفع، و لولا أن أبي و أمي أنجبا فيه لما أقررت يوماً أنني (ولد حرام) مجهول الوطن.

إعتذار خامس:
إلى أطفال و طفلات الشوارع و أولاد و بنات البيوت:
أي جحيميختبئ لكم و أي أدوار يرسمها لكم هذا الوطن لتلعبوها في الغد؟ قد يمارس بعضكم الإستعلاء و التمييز ضد البعض الآخر (على أساس الدين/ اللون/الجنس/العرق/ الطبقة الإجتماعية) و قد يحمل بعضكم السلاح إحتجاجاً ضد هذا التمييز، و قد يمارس بعضكم إنتهاكات حقوق الإنسان، و قد ينشط بعضكم حقوقياً و سياسياً ضد هذه الإنتهاكات، و لكنني أجزم أن أغلبكم سيكونون إنصرافيين و ذاتيين، و لكن أياً كانت الأدوار التي ستلعبونها في الغد إعلموا أن هذا الوطن لا يحبكم و لا يخبئ لكم الخير أبداً.

إعتذار سادس:
إلى الذين يحلمون بوطن يسع الجميع:
لعمركم ما ضاقت بلاد بأهلها و لكن كبرت الماسورة.

إعتذار سابع:
إلى مدثر و منتصر و وحيد محجوب و رهطهم:
حتى تجد الأسود من يؤرخ لها سيظل التاريخ يكتب عن بطولات الصيادين، لهذا سوف تندثرون في أشلاء النسيان، و سوف أظل أقلب صفحات التاريخ فلا أجد لكم ذكراً.
إقتباس عن بريخت

إعتذار ثامن:
إلى سلافة و رنا و مها:
ما بين الإلهة عشتار الأم الحنون و الإله الذكوريصارم القسمات و ما بين مآسي تبتدئ بالختان ولا تنتهي بزواج المسيار، لا ترتعبن من وعيد الأرباب فكل الأرباب سراب.
إقتباس من مسرحية مأساة يرول

إعتذار تاسع:
إلي أنا:
لا أشبهك
و لا تشبهني

كتبت في 25 أبريل 2009م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

جدلية المركز والهامش وإشكال الهوية في السودان

رساله من الشاعر مختار دفع الله الي المواطن ابراهيم الشيخ

نساء على دروب العباقرة