مآلات السودان بعد الإنفصال
بعد صراع طويل جداً وصف بأنه الأطول في تاريخ إفريقيا ها هو شعب جنوب السودان يذهب بعيداً في طريقه وحيداً، بعد أن إختار الإنفصال عن شمال السودان التوأم غير السيامي، و لا يغيب عن بال أحد أن الجنوبيين اختاروا الإنفصال تحت دعاوى التهميش و عدم عدالة الدولة في معاملتهم كمواطنين من الدرجة الأولى على قدم المساواة مع بقية المواطنين و يذهبون إلى أن لهم الحق الآن في أن يقوموا ببناء تجربتهم الخاصة بهم بعيداً عن الوصاية و الإستعلاء و التمييز الذي ظلت تمارسه تاريخياً النخبة المسيطرة على السلطة في شمال السودان و تفرضه عليهم، و غني عن القول أن الإنفصال سابقة تاريخية خطيرة في تاريخ السودان المعاصر فبينما كان من الممكن ان تعالج تلك الدعاوى على طوال سنوات الفترة الإنتقالية التي شهدت تنفيذ إتفاق السلام الشامل إلا أننا لم نرى إلا المكابرة من الطرفين الرئيسيين و التلاعب بمصير الوطن في إطار الكسب السياسي و هو ما أدى به إلى أن ينشطر إلى قسمين.
لقد أقررنا جميعنا بحق شعب جنوب السودان في تقرير مصيره، هذا الحق المنصوص عليه في ما تواثق عليه العالم في الوثائق العالمية لحقوق الإنسان كما هو منصوص عليه في إتفاقية السلام الشامل و ضمن في الدستور القومي الإنتقالي الذي حكم الفترة الإنتقالية منذ عام 2005م، إن السابقة التي ارساها هذا الحق الذي منح لجنوب السودان يفتح الباب أمام جهات أخرى من السودان لتطالب بذات الحق تحت ذات الدعاوى، و الطريق معروف سلفاً حمل السلاح و الإنجرار وراء حروب أهلية طاحنة تسوق إلى ذات النهايات.
و لكن هل هذان هما الحلان الوحيدان أمامنا؟ الحروب الأهلية أو الإنفصالات اللاحقة؟ لا، هنالك طريق ثالث يمكن أن يوفر علينا دفع مثل هذه التكاليف الباهظة: تسوية الصراعات التاريخية بإعادة تعريف مفهوم الدولة و المواطنة و إعادة هيكلة الدولة السودانية (أو ما تبقى منها في الشمال) وفقاً لهذا التعريف، و ليس أمامنا زمن طويل حتى نرى ذلك، هذا أو الطوفان كما قال الشهيد محمود محمد طه.
إفادات للأستاذ عاصم الحزين في استطلاع حول مآلات الدولة السودانية ما بعد الإستفتاء و انفصال الجنوب بتاريخ 28 فبراير 2011م
نشر بمجلة نوافذ مدنية الصادرة عن معهد تنمية المجتمع المدني بكلية شرق النيل، العدد الأول أبريل 2011م
تعليقات