حبيبتي عابرة
عبرت بذاكرتي ذات حنين و هيام، فجال في خاطري أن
الحبيبات كلهن عابرات: فحبيبة تعبر بك، و حبيبة تعبر إليك و حبيبة تعبر منك.
فالحبيبات: عبور و عَبرة و عِبارة.
ليس أجمل من أنثى تطلق رغبتك في التعبير، و تشعل
قدرتك على الكتابة بعد أن خلتها قد إنزوت و انطفأت بفعل الخمول القاسي الذي لازمك
زمناً باهظاً، تتملكك رغبة حارقة في البوح و إطلاق العنان للحروف التي صارت مقيدة إلى
أصابعك، لتكسر ذلك النمط الخجول و تغير القواعد الروتينية لحياتك! تغيرها جميعاً بفعل
إمرأة! نعم إمرأة! فكل أنثى لها القدرة
على فعل شيئ سحري في حياة رجل ما، فعل لا يستطيع ذاك الرجل مقاومته و لا عجب، فبعض
النساء لديهن قدرة مدهشة، لست أبالغ إن أسميتها كرامة كما يعبر الصوفيون و هم
يتأملون و يسلمون بذلك التأثير غير المرئي للأولياء و الصالحين و قدرتهم على فعل
شيئ خارق لطبيعة الأشياء، لا تعقله قوانين الفيزياء و لا تفسره دروس المنطق!
العلاقة بالأنثى (و هي هنا أنثاك على وجه الخصوص) علاقة نفاذة تخترق مكاناً ما في دواخلك لم تكن تدري بأنه موجود قبل أن تنفذ تلك
الأنثى بقوتها الفاتكة في حياتك، فلا تستطيع لها صداً أو منها فكاكاً.
و للأنثى سحر غريب حين تنطقك، حين يمر إسمك الذي هو
هو (إسمك العادي) على حبالها الصوتية، ثم ينطلق حراً في الفضاء ماراً عبر شفتيها
الهادئتين، حين تسمع صوتها يحتوي حروف إسمك فهو رنين و نغم و سحر، هي لا تنطق
بإسمك و لا تهتف به، بل هي تنطلقك أنت فتستحيل أنت نفسك إلى عبارة موسيقية مسموعة
بل و محسوسة، يراها الناس و هي تنساب بينهم، تتراقص كموجة شامخة في مسار النيل
المنساب متحدياً تضاريس الجغرافيا و التاريخ كما أنثاك، هي تنطقك فتستحيل كلك إلى
عبارة يحتويك صوتها و تهتز عبر مخارج حروفها، و هنا تكون أنت عبارة عن أثير شفاف
يتكون من فوتونات الضوء، فتغشى عينيك نبرات صوتها فتغلقهما مخافة أن تسلبك آخر ما
تبقى من وجودك المادي و تحيلك لطيف بصري يسبح في فضائها.
و على عكس الشائع تماماً أجمل أنثى هي تلك التي
تختصر إليك الطريق فتختصر بك المسافة، فلا تدري هل أنت تمشي بين الناس كما تعودت
منذ مولدك، أم أنت تحلق من فرط الرقة التي تنتابك، المسافة إلى الأنثى لا تقاس
بالأمتار و لا الزمن الذي تقضيه حتى تراها، بل يحسب بالكثافة التي تتشبع بها كل ما
اقتربت إليك دهشة مشتعلة منها لتصفع اللزوجة المسيطرة على وجه الزمن الممل، و هي (أي
الدهشة) تتناسب طردياً مع المسافة الكائنة بين نطقك بها و دقة قلبها التي ترتد إليك،
لتصافح عينيها المرتبكتين نبضك الواجف الذي يتحاشى النظر تجاهها خوف أن تلقي عينيك
ما يبهرهما فتنهار في رحابها، الأنثى كائن فريد يرقى لدرجة الأسطورة، بل كانت إلهاً
يعبد من دون كل الآلهة الذكور، تتشكل في داخلك فتتناقض داخلك المشاعر المحدودة في
حيز هو أنت.
الحبيبة العابرة تعبر بك من ضفة العادي و المحايث
إلى فضاء الأسطوري و المفارق و هي الحبيبة التي إذا نظرت إليها رمقتك ببسمتها فتصير
أغنية عذبة تنساب سلسة على شفاه الأطفال

تعليقات