الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

القانون والعدالة بين اب كرفتة وقدوقدو ..! (2)


لبني أحمد حسين

December 17, 2010  
قررت الخروج من السودان يوم أطلق سراحى بعد قبضى لساعة واحدة من قبل   ثلاث رجال شرطة بأمر ضابط أمن من جوار ست شاى بتهمة ” التصوير فى منطقة عسكرية “، صحيح  كان معى مصور صحفى  ولكن  يشهد الله اننى لم أكن اعلم ان ست الشاى  يمكن أن تكون منطقة عسكرية  يوقعك تصويرها  تحت طائلة القانون ، الا حينما  تلى الضابط  المناوب بعد وصولى القسم  نص مادة  بالقانون فوجدت  بالفعل ان   تصوير ست الشاى  او سيد اللبن  او “اى  موقع يمكن أن يكون تصويره بأى وجه مفيداً للعدو أو لأى شخص خارج على الدولة “حسب ما تنص المادة 57 من القانون الجنائى السودانى  طالما رجل الشرطة يرى او يريد ذلك ، فهو الذى يقرر/يخمّن  فائدة صورك ولو كانت مع ست شاى ، وهو الذى يحدد العدو المحتمل ، بعد موبايلات ومكالمات أجراها  الضابط المناوب وانسحاب ضابط الامن دون ان يترك اسمه .. أطلقت الشرطة  سراحى دون توجيه اتهام ..وأنا أهزّ الكتفين وارفع الحاجبين دهشة !..
اذا كانت ست الشاى – ومن يكذب روايتى ليسألها وهى تجلس حتى الآن جوار معهد سلتى بالخرطوم – يمكن ان تعتبر منطقة عسكرية وهو ما لا يمكن ان يخطر ببال  مواطن  عادى .. فماذا ايضاً ؟ ماذا  تظنون مكان الدعارة ؟ ..
كاتبة هذه الاسطر  ممن يعدّ الدعارة جريمة  وهى هكذا فى كثير من الدول الاوربية ومواثيق الامم المتحدة التى تحرم وتحظر الاتجار بالجنس وادارته .. ولكن ماهى الدعارة ؟ فى الحقيقة  تحتاج  مصطلحات ومسميات  قوانين الانقاذ التى تسميها شريعة الى قواميس مرافقة او كتلوج  لتوضيح المعانى التى  تريدها  لان المفاهيم المتعارف عليها  بعيدة كل البعد عن المسميات الذى تطلقها ..
عليك ان تقرأ البند 2 من المادة 154 من القانون الجنائى السودانى سئ السمعة  لتأسى على أعراض المسلمين ، أهى سهلة ومستباحة  لهذه الدرجة ؟ ولا اقول المسلمين  تحيّزاً ،حاشا، ولكن واقع الحال ، فقد  دخلت  سجن ام درمان  و ما رأيت  غير المسلمات مدانات  بتهم الدعارة  وادارتها ..
فما هى المادة  154والمواد الاخرى التى تلقى ببنات ونساء المسلمين دون غيرهم فى غياهب السجن وتلهب ظهورهنّ بالسياط ؟ وليحملنّ  صفة مومس وداعرة الى الابد ..
لنستغفر الله  اولاً  ونتعوّذ به عن رمى المحصنات .. الذى يحسبونه هيّن وهو عند الله عظيم ، فبمثلما  ان ست الشاى ” يمكن ” ان تكون منطقة عسكرية يفيد  تصويرها العدو وان ارتداء البنطال” افعال فاضحة ” أدينت بموجبها  كاتبة هذه الاسطر حسب  المادة 152 من ذات القانون ، ولعمرى ان ادانة كهذه ليست لى حتى لو أدنت  بقتل رقبة  انما ادانة لنظام الحكم ولمحاكمه المسماة  نظام عام وميزانها ذو الكفة الواحدة  الذى لا يعطى لمتهم فرصة للدفاع عن نفسه،فهناك صف طويل من المواد  151و153و154و155 صالحة لاتهام اى  شخص فى اى زمان واى مكان طالما  الشرطة  التى تسمى النظام العام  تريد ذلك ..
وطالما  المحكمة ايجازية  وليس  للمتهم فرصة للدفاع عن نفسه  فماذا تقول المادة 154؟
: يعد مرتكباً جريمة ممارسة الدعارة، من يوجد فى محل للدعارة بحيث يحتمل ان يقوم بممارسة افعال جنسية او يكتسب من ممارستها ، ويعاقب بالجلد بما لا يجاوز مائة جلدة أو بالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات.
عليك  بوضع خطين تحت كلمة يحتمل ، ومن حقك كمواطن ان تعرف هذه الاحتمالات  لتتجنبها .. فما هى هذه الاحتمالات حتى لا يكون اى منا  “داعر متوقع”  فتلهب  السياط ظهره بسبب التوقع لا بسبب الفعل  ؟ ومن الذى يقرر ان هذا الشخص يحتمل ان يقوم بممارسة افعال جنسية وذاك لا ؟ أنه  رجل الشرطة النظام العام الذى جئ به لتطبيق شرع الله وهو الذى قد لا يعرف كيف يتطهر من بوله .. والذى قد لا يعرف  كتابة اسمه.. و هو الذى “يرجح” ويضع “احتمال “ان هذا الشخص سيقوم بممارسات جنسية وذاك لا.. عموما الطب يقول ان  الرجل الذى  احتمال  قيامه بالفعل الجنسى  صفر  هو  عاجز  جنسياً ، هذا ابتداءاً ، وليس انتهاءاً  ، من حقك ان تستنكر  تواجد  الشريفة والمحترمة فى مكان مشبوة ، ولكن  لا تضللّنك او تغرّنك  جملة “من  يوجد فى محل دعارة “..فليس المكان  هو ما يتبادر لذهنك ، ولكن للانقاذ قاموس فريد .. لنرى ما هو تعريفها  لمحل الدعارة ؟ حسب المادة 154-2
(2) يقصد بمحل الدعارة ، اى مكان معد لاجتماع رجال ونساء او نساء  ورجال  لا تقوم بينهم علاقات زوجية او صلات قربى وفى ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية.
وحسب هذا التعريف اى مكان سواء كان صحيفة او مكتب او بيت اسرة  او حتى القصر الجمهورى يمكن ان يكون محل دعارة ، وانا هنا لا أغمز لحادثة  القصر التى  تهامست بها المدينة ، ولكن أوليس فيه  رجال ونساء ليس بينهم  علاقات  زوجية ولا صلة قرابة ؟ ثم  ما هى الظروف التى” يرجح ” فيها حدوث ممارسات جنسية ؟ ونحن نعلم ان مساجد الله التى يستبعد  ابغض خيال  منها حدوث شئ من هذا القبيل  فيها يتم بها  اغتصاب للاطفال .. ثم من هو الذى يرجّح ؟ او لا يرجح ؟ وما هى هذه الظروف؟ لماذا  لا يذكرها  القانون صراحة..ويذكر احتمالات قيام الشخص بافعال جنسية ،حتى يتجنب اى مواطن يحترم القانون على علاته  مثل هذه  الاحتمالات و الظروف المرجحة التى توقعه تحت السياط ؟
يفترض ان الدعارة  هى الاتجار بالجنس او هكذا يفهم كل صاحب عقل ، لكن لقانوننا المحترم راى آخر  وعليه فان القانون يمكن ان يعتبر اى  “اختلاط ” دعارة ” وليته فعل مثل السعودية  و سمى  الاشياء بمسمياتها  ومنع الاختلاط  بالقانون أبى من أبى ورضى من رضى  لكنه زاد على ذلك  بتشويه سمعة  وقذف  من يقعون  تحت رحمة هذا القانون  الذى لا يرحم . . سورة  النور  تحدثنا  عن حادثة الافك ، التى تورط  فيها ليس اربعة اشخاص انما عصبة – والعصبة هى جماعة ما بين العشرة والاربعين – لم يكونوا كلهم منافقين فقد كانت فيهم  ابنة عمة  النبى  ص  وكان فيهم اقارب لعائشة رض نفسها وكان فيهم  حسان شاعر الرسول  والناطق الرسمى حسب توصيف هذا العصر ، وكما تحدثنا  الاحاديث لم  يكونوا  كلهم  على عداء بالاسلام او عائشة .. الكثير منهم  خاض فى  الامر من باب ” الشمار “  فى أمر يحسبونه هيّن وهو عند الله عظيم .. اذا طبقنا المادة 154 على  حادثة الافك  وقصة  ام المؤمنين رضى الله عنها وصفوان .. ماذا تكون النتيجة ؟ رجل وامرأة ليس بينهم صلة قرابة ولا زواج  فى مكان ليس به بشر .. ابن سلول كبير المنافقين   ” رجّح احتمال  ” قيامهم بممارسات جنسية  لان المكان و “الظروف” كانت ملائمة لذلك حسب ظنه السئ ، ورددت الجوقة /العصبة  هذا الافك من باب الكيد او من باب الشمار .. ونزل الوحى ليبرئ ام المؤمنين  ويطالب  الافاكين بأربع شهود  رأوا  باعينهم  ما  صوره خيالهم المريض  و احتمالاتهم   المرجّحه  لسوء الظن..و ليعاقبوا  بحدّ  القذف ويثنى  القرآن على المؤمنين الذين  عصمهم  “حسن  ظنهم  “عن الخوض فى ذلك ..
تقف  المادة 154 كنموذج  لافتراء أهل الانقاذ على دين الله  فلو كان دين الله هكذا   وأخذ  باحتمالات وظروف وترجيحات   -عصبة – سيئة الظن، وطبقت هذه المادة على  ام المؤمنين عائشة رض   وصفوان لجلدا   بدلاً عن جلد من جاءوا بالافك ..عليك ان ترجع للبند 2 من المادة 154 من القانون الجنائى السودانى  و أسقط  عليه حادثة الافك  التى جاء به  عصبة  فيها  مؤمنين  ليسوا  ممن  يبدلون  الجلدة الواحدة  ب30 جنية !.. اذن فالمادة 154 تقننّ  صراحة  للقذف .. حيث تعطى  شرطى النظام العام سلطة تحديد ” الظروف” التى “يحتمل” و”يرجح”  فيها حدوث ممارسات جنسية.. مثلها مثل المادة 152 التى ترمى ” بالفعل الفاضح ” اى فتاة  ترتدى ملابس  يعتبرها  رجل  الشرطة  “مضايقة للشعور ” حتى اذا كان بالمكان العام اربعمائة شخص من الرجال والنساء لم  تضايق  تلك الملابس شعورهم ..
جاءنى صحفى ومعه مصوّر لاجراء مقابلة معى اثناء  قضيتى ، وسألنى  ضمن الحوار  ان كانت هناك  مواد أخرى غير المادة 152  أرى انها  غير دستورية ؟  تبسمت  لحظة ثم قلت يا  زميلى  انتما الآن رجلين  وانا امراة  ارملة  وفى هذه اللحظة  ليس معى  بالبيت غير امى وهى امراة ايضاً وقريبتى شابة  وخفير  .. وهذا يعنى اننا  ثلاث نساء  وثلاث رجال  ليس بيننا  زواج ولا صلة قرابة ..مما يعنى  اننا  عرضة  لان  نكون  تحت المادة 154 وهى الدعارة اذا  رأى اى رجل شرطة  نظام عام ان هناك ” احتمال ” او “ظروف ” ترجح” ذلك  وبما  اننى صاحبة المنزل فاننى سازيد  عنكم بالمادة 155.. سألنى وما هى هذه الظروف والاحتمالات ؟.. قلت له انها  فى علم الغيب  وفى خيال ومزاج رجل الشرطة .. فما كان منه الا  ان لملم  اوراقه و قطع الحوار  ونهض بخوف  و قد كان جاداً ..
تذكرت  حينها ان بغرفة نومى لوحة فنية  ورثتها عن زوجى السابق  رحمه الله عبدالرحمن مختار  اشتراها من باريس  وقطع لها تذكرة طائرة بالدرجة الاولى لتصل الخرطوم.. هذه اللوحة  لفتاة عارية  تستر  نفسها بمنديل  ..  وهذا يوقعنى تحت طائلة  المادة 153  لاننى  أحوز لوحة يعتبرها القانون مخلة بالآداب العامة ، صحيح انها فى غرفة نومى ، ولكن  قانون و شرطة  تفتش موبايلات البنات لتجد صورة نور ومهند ابطال المسلسل التركى الشهير  فى مشهد  حميم  فيتم  جلد الفتيات اربعين جلدة  لكل .. الا يمكنها تفتيش  غرفة نومى لتجد هذه اللوحة ؟
نص المادة )من يصنع او يصور او يحوز مواد مخلة بالآداب العامة او يتداولها ، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز شهراً او بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة كما تجوز معاقبته بالغرامة).
اما المادة 151 فانها الافك  والقذف بعينه  اذا  كانت بقية المواد تحوى كلمات فضفاضة  يمكن ان تتسع لكل شئ فان هذه المادة تضع سقفاّ  اعلى ، بينما  يظل الحد الادنى  مفتوحاّ  يحدده  مزاج  وخيال رجل الشرطة  ومن ثم القاضى .. تنص المادة  : 151- (1) يعد مرتكبا جريمة الأفعال الفاحشة من يأتي فعلا مخلا بالحياء لدى شخص آخر او يأتي ممارسة جنسية مع شخص آخر ، لا تبلغ درجة الزنا او اللواط ، ويعاقب بالجلد بما لا يجاوز اربعين جلدة  كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز سنة او بالغرامة .
(2) اذا ارتكبت جريمة الأفعال الفاحشة فى مكان عام او بغير رضا المجني عليه ، يعاقب الجاني بالجلد بما لا يجاوز ثمانين جلدة كما تجوز معاقبته بالسجن مدة لا تجاوز سنتين او بالغرامة.
اى  قانون محترم يشير بالمعنى لذوى الالباب فى الامور التى تتصل بالجنس، ليس هناك داع لسرد انواع الافعال الجنسية  التى لا تبلغ درجة الزنا واللواط ، فللناس عقول،اتفقوا او اختلفوا فى استحقاق الامر لعقاب السلطان ام لا ،اتفقوا او اختلفوا فى  استحقاق  الفعل للتسمية  بالفاحشة ام لا ، قد ارى انا وانت ان المقصود هو  اشارة  لما كان يسميه الصحابة ” المفاخذة : اى تلاصق الافخاذ ” او المباشرة : احتكاك البشرة بالبشرة” وحتى هذه لم تقل  كتب البخارى ومسلم  ان لها عقاب  بالسوط او الحبس او التغريب ، وطبعاً لن تقول الغرامة ، لان الغرامة فيما يسمونه عقوبات شرعية انجاز  انقاذى بحت لا نجد له مثيلاً فى كتب  ما يسمونه  فقه ولا التأريخ الاسلامى منذ الرسالة ، انها شريعة قدوقدو  ..
وصحيح ان القرآن نهى عن الاقتراب من الزنا ” ولا تقربوا الزنا أنه  كان فاحشة وساء سبيلا ” ولكن الاية لم تذكر عقابا لمن اقترب ولم يزن ولم تسم الاقتراب فاحشة .. ولكن  لمن شرّع  القانون رأى .. اما لمن ينفذه من شرطيين قد لا يتطهرون من بولهم وقضاة  يصدرون  الاحكام  ولا يستمعون الى الدفاع لانهم  من نوع اب كرفتة ” مستعجلين ” لهم  اراء و آراء ..حيث ان وجود شاب  مع خطيبته  داخل كوفير به تسعة  نساء أخريات  لاختيار ثوب زفاف لزواجهما المتبقى له اسبوعان  فعل فاحش  ،  فتاة و خطيبها  او  حبيبها  يحتفلان  بحصول الشاب على وظيفة بعد سنوات من العطالة  فى  حدائق “حبيبى مفلس “  الفتاة  ” ضبطت ” وهى تناول خطيبها قطعة من التورتة بالشوكة فى فمه ، رجل الشرطة اعتبر ان هذا فعلا مخلا بالحياء العام  فكان عقابهما  بجريمة الافعال الفاحشة  ثمانين جلدة لكل  لان ” الفاحشة” تمت  بمكان عام ، قد يلفت مرور التورتة بالشوكة من يد الفتاة الى فم خطيبها  نظر البعض من الاسر المتواجدة  بالمكان و التى لم تألف هذه الحميمية  فى البيوت السودانية  فما بالك بالشارع ..
ولكن هل يستحق الامر ثمانين جلدة ؟  لن  يصدق  احد ان فعلهما “الفاحش” هو  تورتة محمولة بالشوكة ، وانهما كانا فى ” حبيبى مفلس “  بالقرب من ست شاى  يحيط بهما  عشرات المارة  والجلوس من الاسر والبشر كما  لا  احد  كان سيصدق ان فعلى الفاضح  الذى أخذتنى به شرطة  النظام العام لقسم  الديم  فى بوكس الكشة  هو  بنطال   وان القبض كان بمكان عام وان ام كلثوم  هو مطعم   محترم  يرتاده اهل الصحافة من الكيزان  وغير الكيزان  ..
لولا اننى  سارعت بطباعة  كروت دعوة .. وقد سأل  محامىّ شرطى النظام فى المحكمة : هل تعرف ام كلثوم ؟ قال لا .. لم نقبضها  معهم !..وأنتهرنى القاضى حينما ضحكت وضحك الحضور..
لا اكاد استوعب ان الذين وضعوا مثل هذا القانون  ونسبوه للشريعة يمكن ان يكونوا قد  قرأوا كتاب دين  ليوزعوا  المسميات “فاحشة” “فاضحة” “دعارة ” يميناً ويسار وليوقعوا  كل المجتمع من بعد ذلك فى اثم القذف و رمى المحصنات ..
وبعد ،،،
وبعد عشرين عاما من تطبيق هذه القوانين الحضارية  الى ماذا  قادتنا ؟ هل حققت ربط قيم اهل الارض بالسماء؟  او حققت المجتمع الرسالى ؟

ليست هناك تعليقات: